يشد الإغلاق المتتالي لصحف ورقية كبرى في العالم أنظار المهتمين من أهل المهنة وخارجها ممن يؤمنون بتأثير الإنترنت في صحافة الورق، هذا التأثير الذي أصاب اقتصادات صحف ورقية في مقتل فعجّل بنهايتها.هنا، أدرك المعنيون بدور النشر هذه أن لا مناص من التعامل مع الظرف بواقعية، فأغلقوا الورقيات المتأثرة من واقع الحال. آخر الصحف الورقية التي ودّعت أبواب المشتركين والأكشاك ونقاط البيع، كانت الصحيفة البريطانية الشهيرة «ذا إندبندنت» التي أصدرت عددها الأخير أمس، واصفة الخطوة بـ «التحوّل الجريء نحو الصحافة الرقمية بشكل كامل»، وذلك بعد أسبوع فقط من إغلاق شقيقتها الأسبوعية «ذا إندبندنت أون صنداي»، وقبلهما، في أماكن أخرى من العالم، توقفت الصحيفة الإسبانية الكبرى «إلباييس»، مكتفية بالموقع الإلكتروني، وأعرق صحيفتين في كندا «جيلف ميركوري» و«نانيامو ديلي نيوز»، وهلُمّ جرّا.الغريب أن في العالم العربي حكومات ومؤسسات تتغافل عن هذه الحقيقة، إما لأنها لم تدرك بعدُ حقيقة التحول الكبير للصحافة من الورق إلى الرقمي، أو لأنها تعرف الواقع وتتغاضى بالعمد خدمةً لمصالح ضيقة، فيستمر نزيف الأموال إلى الحدود التي أقل ما يمكن أن توصف به هو الهدر والتبذير.الذي يهم وسط هذه النهاية الحتمية، الإصرار على الاستمرار في تبديد مئات الملايين بالإغداق على صحف ورقية باهتة، لغتها حجرية، محتواها ضعيف، وتأثيرها أضعف، إن لم يكن معدوماً. والمحزن أن هذا النوع من الصحف لا يزال يجلب أرقى أنواع الورق نصاعةً وسمكاً، ويتباهى بضخامة عدد الصفحات، ما يفاقم التكلفة الاقتصادية من جهة، ويشكل قوتاً لأهل التجارة وما تبقى على قيد الحياة من دُور الطباعة، وحتى الأخيرة بدأت تصفّي موجوداتها وتغادر الوجود تباعاً.خاتمة الذين يناورون بالورق لا بد آتية في ظل غياب التأثير واستمرار الهدر المالي، ونشوء أوضاع اقتصادية ستفرض تغيير المسار بتوجيه الصرف أو الاستثمار نحو الصحافة الرقمية، وعلى أهل الصنعة التقليديين المتدثرين بالورق أن يعوا أنهم أصبحوا خارج الساحة، وأن اليوم آتٍ لنعي الورق على الورق.رئيس التحرير