حذَّر مسؤول كبير من أن البنك المركزي الأمريكي يدخل مرحلة جديدة من تشديد السياسة سيكون من الصعب تجاوزها؛ حيث يتزايد الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لتهدئة إحدى أكثر حملاته عدوانية لرفع أسعار الفائدة منذ عقود. وقالت ماري دالي، رئيسة فرع سان فرانسيسكو لصحيفة فاينانشيال تايمز: «هذه المرحلة التالية من صنع السياسة أكثر صعوبة، لأنه عليك أن تكون مدركاً لأشياء كثيرة».
وأضافت: «عليك أن تضع في اعتبارك التشديد التراكمي الموجود بالفعل في النظام، وعليك أن تكون على دراية بالتباطؤ في السياسة النقدية، كما أن عليك أن تضع في اعتبارك المخاطر الموجودة في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي والشكوك الهائلة التي لدينا حتى بشأن ما سيكون عليه تطور التضخم».
وتُعدُّ دالي من بين مجموعة متنامية من المسؤولين لدعم وتيرة أبطأ لزيادة الأسعار، ويرجع ذلك جزئياً إلى التشديد الجاري بالفعل، فضلاً عن أن الشعور بالتأثير الكامل لتعديلات السياسة يستغرق شهوراً حتى يتم الشعور بالتأثير.
وتتأرجح القطاعات الحساسة لسعر الفائدة مثل الإسكان تحت وطأة ارتفاع تكاليف الاقتراض، لكن ضغوط الأسعار الأوسع لا تزال مرتفعة.
في أقل من عام، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 3.75 نقطة مئوية، معتمداً على زيادات متأرجحة بمقدار 0.75 نقطة مئوية لتعويض التضخم الذي كان يفاجئ باستمرار في شدته.
ومع وصول سعر السياسة المعياري الآن عند مستوى يعتبر «مقيداً بشكل معتدل» على النشاط الاقتصادي - بين 3.75% و4% - قالت دالي إنَّ التحدي الذي يواجهه بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن هو تحديد مستوى الأسعار الذي سيكون «مقيداً بدرجة كافية» لإعادة التضخم إلى هدف البنك المركزي البالغ 2%.
وقال جاي باول، رئيس مجلس الإدارة، إنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر قد يضبط وتيرة التضييق بمجرد التجمع التالي في ديسمبر، لكن التضخم المرتفع بعناد يعني على الأرجح أن المستوى الذي يرتفع عنده سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيكون أعلى مما كان متوقعاً في السابق، مضيفاً أنه من المحتمل أن يكون المعدل «النهائي» بنسبة 5% على الأقل.
وتساءل رئيس سان فرانسيسكو، أنه على نفس القدر من الأهمية، كم من الوقت يجب الحفاظ على معدل السياسة عند مستوى مقيد بما فيه الكفاية؟: «إذا كان بإمكاني الاحتفاظ بها هناك عند مستوى مرتفع لمدة عام، وأعتقد حقاً أن التضخم ينخفض، فمن المحتمل أن يكون هذا معدلاً معقولاً للتوقف عنده». «بين عشية وضحاها إلى 2% ليس هدفي، لكن لا يمكننا أن نتحلى بالصبر بحيث يستمر التضخم في تآكل القوة الشرائية الحقيقية للأمريكيين».
وحذَّرت دالي من أن التحرك ببطء شديد لاستئصال التضخم يهدد التوقعات بأن يصبح التضخم في المستقبل غير مرتبط بدرجة تتطلب من الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
واستشهدت بعمليات تسريح واسعة النطاق في شركات التكنولوجيا، والتي تضمنت ميتا وسترايب وليفت، وقالت: «لقد كانوا متحمسين للغاية بشأن معدلات النمو التي رأوها في الوباء وقاموا بتوظيفهم كما لو أن معدلات النمو هذه ستستمر إلى الأبد، ثم عادت معدلات النمو هذه إلى مستويات أكثر تقليدية».
وبعيداً عن الألم الاقتصادي، هناك قلق آخر يتمثل في الضائقة المالية التي تجبر الاحتياطي الفيدرالي على التدخل حتى في الوقت الذي يمضي قُدُماً في جهوده لمعالجة التضخم - وهو أمر اضطر بنك إنجلترا إلى فعله مؤخراً بعد توقف سوق السندات الحكومية في المملكة المتحدة. ويعد الدرس المستفاد هناك، وفقاً لدالي، هو أن التمييز بين أدوات الاستقرار النقدي والمالي «يمكن القيام به، لكنه يجعل بعض الاتصالات صعبة للغاية».
عند سؤالها عن الاضطرابات التي اجتاحت العملات المشفرة، قالت دالي إنَّ البنك المركزي يهتم بالمكان الذي يمكن أن تظهر فيه «العدوى المتقاطعة» بين الشركات والمستثمرين والأفراد والمؤسسات، ولكن في الوقت الحالي لا يرى «خطراً كبيراً» على الاستقرار المالي.