تجاهلت إسبانيا مخاوف الشركات بشأن إدارتها لمليارات اليوروهات من أموال التعافي من الاتحاد الأوروبي، وأصرّت على أنها وصلت إلى «السرعة القُصوى» في تطوير خطط الاستثمار والوفاء بمعايير التدقيق الصارمة لتأمين الدفعة التالية من الأموال.
وكانت الدولة أول من تلقَّى دفعة من أموال الاتحاد الأوروبي للتعافي من الجائحة العام الماضي، ومن المقرر أن تتلقَّى ما مجموعه 140 مليار يورو، ما يجعلها ثاني أكبر متلقٍّ للكتلة بعد إيطاليا. لكن تجربة إسبانيا كانت صعبة، حيث سلطت الضوء على المهمة الشاقة التي تواجهها البلدان في إدارة برنامج 800 مليار يورو، والذي يهدف إلى إصلاح الأضرار التي سببها تفشي فيروس كورونا وجعل الاقتصادات أكثر خضرة.
في الأسابيع الأخيرة، واجهت الحكومة التي يقودها الاشتراكيون في إسبانيا شركاء أعمال غير راضين - بما في ذلك فولكس فاغن، الحليف في مشاريع السيارات الكهربائية - وأسئلة حول وتيرة وشفافية توزيع الأموال.
لكن نادية كالفينيو، نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد الإسبانية، أصرّت على أن خططها تسير في مسارها الصحيح، ورفضت الشكاوى من أن الأموال تُصرف ببطء شديد.
وقالت في مقابلة مع فاينانشيال تايمز: «إنّه قد وصلنا إلى سرعة الانطلاق، فهناك دعوات ومناقصات لمشاريع يفتحها القطاع العام بإيقاع يبلغ حوالي مليارَي يورو شهرياً، مع خطة التعافي».
وأضافت: «لا يتمثل الهدف في أن تكون سريعاً للغاية، بل أن يكون لديك إيقاع ثابت يحافظ على الاستثمار القوي في السنوات القادمة». ويتم توجيه ما يُسمى بأموال الاتحاد الأوروبي من الجيل التالي، والتي تتألف من حوالي 70 مليار يورو في شكل منح غير قابلة للاسترداد و70 مليار يورو في شكل قروض لإسبانيا، إلى مشاريع تتراوح من الألواح الشمسية السكنية إلى المتاجر عبر الإنترنت للشركات الصغيرة.
وقالت المفوضية الأوروبية: «إنَّ تنفيذ الخطة الإسبانية يتماشى حالياً مع الجدول الزمني المتفق عليه، المنصوص عليه في القرار بالموافقة على الخطة».
لكن بعض المديرين التنفيذيين يتهمون إسبانيا بتشويش الصورة بأرقامها، بحجة أن الوتيرة التي تفتح بها العطاءات للمشاريع - المقياس الذي أبرزه الوزير - ليست أفضل مقياس للأداء أو التأثير الاقتصادي.
وبدلاً من ذلك، يسلط سيركولو دي إمبريساريوس، أحد أكبر جماعات الضغط التجارية في إسبانيا، الضوء على المدفوعات الفعلية للحكومات والشركات الإقليمية والمحلية التي ستنفق الأموال على المشاريع المعتمدة.
يُظهر هذا المقياس أن 22.3% فقط من 28.4 مليار يورو في منح الاتحاد الأوروبي التي خصصت إسبانيا موازنة لاستخدامها هذا العام قد تمَّ دفعها بحلول نهاية سبتمبر، وفقاً لبيانات من المراقب العام لإدارة الدولة.
قال مانويل بيريز سالا غوزالو، رئيس سيركولو دي إمبريساريوس والشريك الإداري لشركة رأس المال الاستثماري «جروب بيرسو» إنَّ «الشعور العام في القطاع الخاص هو أننا نشهد إدارة سيئة». «كل شيء يتأخر، هناك الكثير من البيروقراطية، هناك القليل من الوضوح». في الشهر الماضي، تركت المسؤولة في وزارة المالية التي تدير برنامج أموال التعافي، روسيو فروتوس، منصبها «لأسباب شخصية».
ولتسليط الضوء على أحد الاختناقات، قال مسؤول في وزارة أُخرى يدير بعض الأموال: «ليس لدينا عدد كافٍ من الأشخاص ذوي الخبرة في إدارة الأموال».
وقال رودريجو أوجيا، الشريك الإداري المشارك في مكتب المحاماة بيكر ماكنزي في إسبانيا، إنَّه كان ينبغي على مدريد الاستعانة بمصادر خارجية للتعامل مع طلبات التمويل للقطاع الخاص. وقال: «يتعيَّن على الحكومة المركزية طرح مبلغ ضخم من المال في فترة زمنية قصيرة، وليس لديها القدرة التشغيلية للقيام بذلك».
واهتزت الحكومة أيضاً بسبب عدم اليقين بشأن أحد مشاريعها البارزة - وهي مبادرة بقيادة شركة سيات المملوكة لشركة فولكس فاغن لبناء مصنع جديد لبطاريات السيارات في فالنسيا، وتحديث مصنعين حاليين لتصنيع سيارات كهربائية.
في الأسبوع الماضي، قال واين غريفيث، الرئيس التنفيذي لشركة سيات، إن الأموال العامة المعروضة «ليست كافية»، حتى بعد أن زادت الحكومة المبلغ إلى 397 مليون يورو من المنح والقروض. وقال إنَّ الشركة «تبحث عن حلول» لضمان استمرار المشروع.
ورفضت كالفينو التعليق على الشركة، لكنها قالت إنَّها «ستؤكد بقوة التزام الحكومة الإسبانية بمواكبة ودعم الاستثمار الضروري» في التكنولوجيا.
وتلقت إسبانيا بالفعل 31 مليار يورو من منح صندوق الإنعاش المستحقة من بروكسل. وتحصل البلدان على الأموال من خلال استكمال سلسلة من الإصلاحات الهيكلية، مثل قانون العمل الإسباني الجديد الذي تمت الموافقة عليه في وقت سابق من هذا العام.
وقالت كالفينو إنَّها كانت: «تنهي التفاصيل» لطلب إسبانيا للحصول على الشريحة التالية البالغة 6 مليارات يورو.
وكان أحد الشروط في دائرة الضوء: حاجة إسبانيا إلى إنهاء إنشاء نظام تدقيق جديد لمراقبة الأهداف والمدفوعات.
وانتقدت مونيكا هولماير، الرئيسة المحافظة للجنة مراقبة الميزانية في البرلمان الأوروبي، كلاً من إسبانيا والمفوضية الأوروبية بسبب الغموض. «ما نطلبه هو أين ذهبت الأموال بالفعل؟ ما هي الإجراءات التي أنفقت خلالها إسبانيا الأموال؟».
وقالت كالفينو إنَّ إسبانيا منخرطة في «عمل مكثف للغاية» مع المفوضية لضمان أن لديها ضوابط مالية تلبّي أعلى المعايير.