إنَّ اضطرابات السوق في المملكة المتحدة الناجمة عن استراتيجية المشتقات المالية المرتبطة بالسندات الممتازة تُعدُّ أخباراً سيئة لتخصيص الأسهم الخاصة والعقارات، إذ إنَّ التقلُّب هذه السندات أدَّى إلى خسائر فادحة في صناديق المعاشات التقاعدية، وأجبرها على تفريغ السندات الحكومية والديون المسنَّدة.
يحفز ذلك إعادةَ التفكير في صناديق التقاعد الأوروبية بعد أن جمعت أصولاً غير مسيَّلة في عصر النقود الرخيصة، وفقاً لشركة «بينشن يوروب» التي يمتلك أعضاؤها أصولاً مجتمعة تتجاوز 7 تريليونات يورو (6.9 تريليون دولار أمريكي). كما يسجل ذلك انعكاساً حاداً بعد سنوات من ملاحقة الأصول الخاصة سعياً إلى تحقيق عائدات تتناسب مع التزاماتهم طويلة الأجل، حيث إنَّ البدائل، مثل الائتمان الخاص والبنية التحتية، تمثل ربع حصص صندوق المعاشات التقاعدية العالمي، مقارنة بـ7% قبل 20 عاماً، وفقاً لمقالةٍ نشرتها «بلومبيرغ» حديثاً.
ومع ذلك، تستغرق البدائل وقتاً أطول للبيع، ما يعني سيولةً أقلَّ خلال فترات الاضطراب، مثل تلك التي تسببت فيها في الأسابيع الأخيرة استراتيجياتُ الاستثمار القائمة على الالتزامات المالية. علماً بأن شركات المعاشات التقاعدية تستخدم هذه المنتجات لمطابقة التزاماتها مع أصولها باستخدام المشتقات المالية.
يرى ماتي ليبالا، الرئيس التنفيذي لشركة «بينشن يوروب» أنَّ «ما حدث في المملكة المتحدة دفع بعضَ صناديق التقاعد في أوروبا إلى إعادة تقييم حيازاتها من الأصول غير المسيلة، نظراً للمشكلات التي يمكن أن يثيرها ذلك في وقت التقلبات المتزايدة». كما أضاف ليبالا أنَّه بالرغم من عدم وجود قضايا تتعلق بالملاءة المالية، فإنَّ الأمر «يتعلق بوجود سيولة وإدارة مخاطر مناسبة».
ارتفعت عوائد السندات الحكومية في المملكة المتحدة بعد أن تسببت الميزانية المصغرة غير محسوبة التكاليف للبلاد في خسائر هائلة في سعر السوق لمن يستخدمون استراتيجيات الاستثمار القائم على الالتزامات المالية، ما أجبر الصناديق على بيع الأصول لتلبية طلبات الهامش.
ربما وصلت الخسائر إلى 150 مليار جنيه استرليني منذ أوائل أغسطس، ما دفع بنك إنجلترا إلى التدخل لمنع انتشار العدوى، حيث يشير ليبالا إلى أنَّ المبيعات الطارئة تضمنت في المقام الأول سندات حكومية، ما يحذر من أنَّ السيولة يمكن أن تجف بسهولة خلال فترات التوتر، حتى بالنسبة للأصول التي تكون أسهل للتداول. نتيجة لذلك، يرى ليبالا أنَّ صناديق التقاعد تفكر في وضع حدود قصوى للأصول غير المسيلة. يعدُّ ليبالا آخر من حذَّر من أن مسألة الاستثمار القائم على الالتزامات المالية يمكن أن تشير إلى اضطرابات أوسع في الأسواق بالتزامن مع ارتفاع التضخم.
ومن جهته يرى بول مارشال، المؤسس المشارك لشركة «مارشال واس»، أنَّ الأزمةَ الحالية تعدُّ «أوَّل تداعيات» عصر «المال مقابل لا شيء». كما حذَّر مديرا صندوق التحوط كريسبين أودي وألبرتو جالو من أنَّ المزيد من التقلبات يمكن أن تأتي مع رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة بعد إبقائها منخفضة لسنوات.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالاستثمار القائم على الالتزامات المالية، يؤكد ليبالا أنَّ تعرُّض صناديق المعاشات التقاعدية في منطقة اليورو صغير نسبياً. إلا أنَّه يستثني من ذلك صناديقَ التقاعد الهولندية التي لديها التزامات تبلغ نحو 1.4 تريليون يورو (1.2 تريليون دولار)، ولكن عادةً ما يكون لها رافعة مالية أقل من نظيراتها في المملكة المتحدة.
وطبقاً لتقديرات ليبالا؛ فإنَّ زيادة أسعار الفائدة بنقطتين مئويتين في منطقة اليورو من شأنها أن تولِّد في صناديق التقاعد الهولندية 82 مليار يورو من طلب الهامش. كما يشير ليبالا إلى أنَّ صناديق المعاشات التقاعدية شهدت على الأرجح انخفاضاً أكبر في قيمة التزاماتها المالية مع ارتفاع أسعار الفائدة، ما يعدُّ أمراً جيداً للسلامة العامة، إذ يتوافق ذلك مع صندوق معاشات «بي تي غروب» الذي شهد انخفاضاً في قيمة الأصول بنحو 11 مليار جنيه في الأسابيع الأخيرة دون أن يؤدي ذلك إلى تدهور موقفه التمويلي.
ومن جهته كتب سيمون فريسينيت، الخبير الاستراتيجي في «غولدمان ساكس غروب»، في مذكرة إلى العملاء أنَّه «إذا كانت أوروبا، كما يبدو واضحاً حتى الآن، تتجنب ديناميكيات التقوية الذاتية للتقلب الأخير في السندات الممتازة، فإنَّنا نتوقَّع المزيد من الإجراءات للتخفيف من المخاطر»، حيث إنَّه يرجّح في البداية «تعزيز احتياطيات السيولة».