د ب أ

من الواضح أن الميزانية القائمة على خفض الضرائب التي أعلنها وزير الخزانة البريطاني كواسي كوارتنج لم يقيدها أي قلق ظاهر بالنسبة لرد فعل الأسواق، لكن ارتفاع سعر الفائدة التي أسهمت فيها الميزانية، والشكوك التي تحيق بحكومة ليز تراس، لا بد أن تدعو بالضرورة للاعتراف بأن الضعف الاقتصادي يقيد الآن ما تحاول المملكة المتحدة عمله في الخارج.

السياسة الخارجية تُتخذ دون اعتبارات الاقتراض في الأسواق

وتقول برونوين مادوكس، المديرة والرئيسة التنفيذية للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، إن هذا سوف يعني اتخاذ نهج أكثر حذراً مما يبدو أن رئيسة وزراء المملكة المتحدة ترغب في تبنيه، ورغم تواجد وزارة الخزانة -جنباً إلى جنب- مع مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في مبنى وايت هول، هناك هوة سحيقة بينهما.

وتضيف مادوكس أنه عند التحدث مع المسؤولين، من المثير للدهشة معرفة أن أولئك المقيمين في مبنى واحد يتخذون قرارات دون رجوع كل منهما للآخر؛ فالسياسة الخارجية تُتخذ دون اعتبار لحاجة المملكة المتحدة لاقتراض مال في الأسواق، وتكتب الميزانيات بدون حساب يذكر لتأثير القرارات التي اتخذها من يجاورونهم، على الرغم من أن مكتب رئاسة الوزراء يحاول -على الأقل- التوفيق بينهما.

ولكن ذلك النهج يعتبر ترفاً سوف يجعل ما يسفر عنه من رد فعل تجاه الميزانية والزيادة الكبيرة في الدين العام أمراً لم يعد من الممكن تحمله.

إصلاح العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي يعتبر أولوية

أخبار ذات صلة

معرض دبي للطيران 2023 ينطلق الاثنين.. ماذا ننتظر؟
بريطانيا: حظر أدوات المائدة البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد اعتباراً من أكتوبر

وترى مادوكس أن إصلاح العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي يعتبر أولوية، وأن الدرس الأول المستفاد هو أن حدوث أي سوء في العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي هو شيء لا يمكن للمملكة المتحدة تصوره الآن؛ فالأسواق سوف تتخذ سمة أكثر قتامة بالنسبة للماليات العامة إذا ما أصبحت المملكة المتحدة متورطة في نزاع تجاري أكثر حدة مع أقرب وأكبر شريك تجاري لها، وهو الاتحاد الأوروبي.

وعندما كانت ليز تراس تخوض حملتها للفوز بزعامة الحزب، تحدثت بشدة بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية وعدم استعدادها للتصالح كثيراً مع الاتحاد الأوروبي، ومنذ أصبحت رئيسة للوزراء، كانت الأصوات القادمة من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر تصالحية، في ظل تلميحات بإمكانية التوصل لاتفاق في غضون وقت قصير.

ومع ذلك ما زالت حكومة تراس تضغط بشدة بالنسبة للتشريع المثير للجدل الذي سوف يمكن المملكة المتحدة من الانسحاب من أجزاء من الاتفاق الذي وقعت عليه، و لم يناقش مجلس اللوردات بعد مشروع التشريع وإجراءاته الأكثر إثارة للجدل.

سحب التشريع يفقد تراس الكثير من ماء الوجه

لكن هناك تلميحات من مسؤولين بأنه رغم أن تراس ستفقد الكثير من ماء الوجه بسحبها للتشريع، ربما تختار الحكومة عدم الاعتراض بشدة على أي تعديلات من جانب مجلس اللوردات، وسوف يكون هذا أمراً حكيماً؛ فينبغي أن تدرك تراس أن المسار المالي الذي اختارته مع وزير الخزانة يجعل تنفيذ التهديدات بالانسحاب من أي اتفاق أمراً مكلفاً للغاية.

وللأسباب نفسها، لا تستطيع المملكة المتحدة التحدث عن اتخاذ سياسة أكثر تشدداً تجاه الصين -كما فعلت تراس بالفعل- دون أن تعرف بوضوح التأثير الاقتصادي لذلك، والتأكد من أن الناخبين مستعدون لدفع هذا الثمن؛ فالسنوات الطويلة من العلاقات التجارية مع الصين تعني أنها أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد المملكة المتحدة.

فاعتماد الجامعات على الطلبة الصينيين والدخل الذي يوفرونه أمر معروف للغاية بالفعل ومحل بحث شديد، ولكن تعرض اقتصاد المملكة المتحدة للتكنولوجيا الرقمية ومكوناتها من الصين أمر أعظم، وتعتبر الصين حالياً أكبر مصدر للواردات بالنسبة للمملكة المتحدة، ومعظمها من أجهزة اللاب توب والكومبيوتر، والهواتف، وكذلك لعب الأطفال والملابس، ولا يخلو مسكن أو مكتب من مثل هذه المنتجات، كما أن الصين هي سادس أكبر وجهة لصادرات المملكة المتحدة، وكثير منها من الآلات والسيارات.

وضع استراتيجية أكثر وضوحاً بالنسبة للصين

وهناك دلائل على أن الحكومة مهتمة للغاية بتحديد الضعف الاقتصادي الذي تواجهه، لكن ليست هناك دلائل على أنه أصبح لديها بالفعل صورة كاملة لذلك، وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن تعتمد السياسة الخارجية على المخاوف التجارية فقط؛ فهناك أسباب أوسع نطاقاً لوضع استراتيجية أكثر وضوحاً بالنسبة للصين للمساعدة في تحديد مسار مستقبلي أكثر اتساقاً؛ فعندما كانت تراس وزيرة للخارجية توقع البعض أنها سوف تواصل النهج التجاري في ضوء تركيزها على إعداد الاتفاقيات التجارية لما بعد البريكزيت، ولكن كما اتضح لم يكن ذلك هو طابع منصبها.

وعلى الرغم من أن تراس واصلت فعلاً الاتفاقيات التجارية، فإنها كانت تهدف إلى أن تتبنى المملكة المتحدة «شبكة حرية» في أنحاء العالم، واستمرت في مواصلة هذا النهج، حيث كانت تتحدث بشدة تجاه الصين وتجاه الاتحاد الأوروبي بشأن مسألة حدود أيرلندا الشمالية.

كما استطاعت المملكة المتحدة اتخاذ موقف متشدد -من ناحية المبدأ- تجاه روسيا بشأن عمليتها في أوكرانيا لأنها أقل اعتماداً على الغاز الروسي بالمقارنة بكثير من الدول الأوروبية الأخرى، ولأن قدرة الحكومة على الاقتراض مكنتها من حماية المواطنين من ارتفاع أسعار الطاقة.

وأخيراً، فإن الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءاً، والذي يتعين على تراس التعامل معه الآن -بسبب أول ميزانية لها من ناحية، وبسبب ارتفاع أسعار الغاز من ناحية أخرى- يفرض قيوداً على ما تستطيع عمله.