كان للتداعيات الاقتصادية السلبية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، تأثيرات قوية على ألمانيا، وآخرها أزمة الطاقة الشديدة، ما زاد من المخاوف من أنها ستؤدي إلى القضاء على الصادرات الألمانية، وفقاً لتقرير نشرته شبكة «دويتش فيله» الألمانية، الاثنين.
وأوضح التقرير أنه رغم تسجيل الصادرات الألمانية مستويات قياسية في شهر يونيو، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة خلال الأسبوع الجاري، فإن الاقتصاديين يرون أن تلك الانتعاشة لا تدل على أن الصادرات الألمانية في أوضاع جيدة، بل ترجع إلى ارتفاع الأسعار والتضخم.
وتعد ألمانيا من الدول العملاقة في مجال التصدير، وتعتبر ثالث أكبر مصدر في العالم، بعد الصين التي تحتل صدارة الدول المصدرة، ويأتي بعدها وبفارق ضئيل الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني.
ولفت التقرير إلى تأثير العديد من الأحداث العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، على الاقتصاد الألماني القائم على التصدير، مثل الحروب التجارية والتوتر المتزايد بين الغرب والصين، بالإضافة إلى صدمات سلاسل الإمدادات وجائحة كورونا، وأخيراً الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى تغيير القواعد التي كانت تقوم عليها أسس ازدهار ألمانيا.
ألمانيا في ورطة
ونقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة جوته في فرانكفورت، أندرياس نولكي قوله: «الاقتصاد الألماني كان الأكثر تأثراً من أي اقتصاد عالمي بتغيرات العولمة».
وفي كتابه حول الصادرات وألمانيا، يعتبر نولك أن «ألمانيا اعتادت الاعتماد على صادراتها الكبيرة، لكنها باتت تحتاج إلى نموذج اقتصادي جديد، فقد كانت من أكثر الدول استفادة من فترة العولمة منذ عام 1990 حتى الأزمة المالية العالمية، لكن الآن أعتقد أن ألمانيا في ورطة».
أول عجز تجاري
وكشفت بيانات التجارة الألمانية عن شهر مايو الفائت عن أول حالة عجز تجاري في ألمانيا منذ أكثر من 30 عاماً، ما يعني أن ألمانيا استوردت أكثر مما صدرت.
ومن جانبه، يقول المحلل الاقتصادي في بنك (ING) ومحلل الاقتصاد الألماني، كارستن برزيسكي: «الحرب في أوكرانيا وضعت حداً لشكل الاقتصاد الألماني حسبما اعتدنا عليه، القائم على الواردات الرخيصة للطاقة، بجانب الصادرات الصناعية الكبيرة».
تأثير أزمة الطاقة على ألمانيا
ويرى نولكي أن المخاطر التي كانت تكتنف الصادرات الألمانية كانت واضحة منذ سنوات، إلا أن أبرز تلك المخاطر اليوم هي أزمة الطاقة الروسية، وخاصة الغاز، فقد كان الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية، هو الأكثر اعتماداً على الطاقة الروسية، لعقود من الزمن، لكن الحرب في أوكرانيا غيرت الأوضاع.
فقد اتجه الاتحاد الأوروبي بقوة إلى خفض واردات الطاقة الروسية، وفي نفس الوقت خفضت روسيا من جانبها من ضخ إمدادات الطاقة، ما جعل العديد من الصناعات المصدرة الكبيرة في ألمانيا في موقف صعب، فمن المحتمل أن تتأثر الصناعة الألمانية بشكل كبير.
فقد وجدت دراسة حديثة شملت 3500 شركة، أجرتها غرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK)، أن 16% من تلك الشركات قامت إما بخفض الإنتاج وإما التوقف الجزئي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
وقال رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK)، بيتر أدريان: «هذه أرقام مقلقة، وتظهر أن ارتفاع أسعار الطاقة يشكل عبئاً علينا».
تحذيرات قوية
من جانبه، أطلق «بنك كومرتس» الألماني، أحد أكبر مقرضي الشركات الألمانية، تحذيراً خلال الأسبوع الماضي، من أن أزمة الغاز قد تؤدي إلى ركود حاد، مقارنةً بينها وبين الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008.
فهناك قطاعات صناعية ألمانية عديدة من القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، تحتاج بشدة إلى الطاقة، وأهمها قطاع الكيماويات، بخلاف قطاع المعادن، وإنتاج فحم الكوك، والزيوت المعدنية، والزجاج، والسيراميك، ومن المعتقد أن قطاعات الصناعة كثيفة الاستهلاك للطاقة، تعد محركات رئيسية للصادرات الألمانية.
أزمة الشركات الصناعية
في بداية أزمة الطاقة، حذرت شركة (BASF) الألمانية، التي تعد أكبر مجموعة كيميائية في العالم، من أنها ستضطر إلى وقف إنتاجها، إذا انخفضت إمدادات الغاز الطبيعي إلى 50% من احتياجاتها.
وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت الشركة أنها ستخفض إنتاج الأمونيا بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، وهو القرار الذي سيكون له تأثيرات على القطاعات المعتمدة على الأمونيا، مثل إنتاج البلاستيك، وصناعة الأسمدة، وصناعة المشروبات الغازية.
وما يزيد الطين بلة، أن هناك العديد من القطاعات الأخرى يشعر أصحابها أن صادراتهم قد تكون في خطر كبير بسبب أزمة الطاقة، وخاصة بالنسبة للمجالات المتعلقة بمكونات الصلب.
وقال نولكي: «صناعة قطع غيار السيارات، والشركات التي تنتج قطع غيار لشركات السيارات الكبرى، تعاني حالياً من مشكلات عميقة».
الاعتماد على الصين
ولا تعد تداعيات مشكلة أزمة الطاقة هي الخطورة الوحيدة التي تحيق بالصادرات والاقتصاد الألماني، بل أن هناك العديد من المخاطر الأخرى وفي مقدمتها الاعتماد الألماني على الصين التي لا تزال أكبر شريك تجاري لألمانيا، وهو وضع يشكل خطراً نظراً للعلاقات المتدهورة بين الصين والغرب، في ظل احتمالات لجوء الغرب إلى الابتعاد عن الصين.
يقول نولكي: «تعتمد أجزاء كبيرة من الصناعة الألمانية في الوقت الحالي، بشكل كبير، على السوق الصيني، وإذا حدثت مواجهة بين الصين والغرب، فستكون تلك مشكلة كبيرة لألمانيا».