شهد النصف الأول من العام الجاري، أداءً فوضوياً ومكلفاً للعديد من المستثمرين، لكن من المحتمل أن تشهد سوق الأسهم المزيد من التقلبات قبل انتهاء 2022، حيث يعدُّ النصف الأول الأسوأ لأسهم الولايات المتحدة منذ عام 1970، إذ تواجه ضربة ثلاثية من التضخم ومخاطر الركود والتهديد الذي تتعرض له أرباح الشركات نتيجة انعدام ثقة المستهلكين. وبعد أن أخطأ الأغلبية في «وول ستريت» في توقعاتهم لعام 2022، يركز المستثمرون الآن على ما يثير التضخم ويزيد من الضرر للتقييمات، حيث يتوقع سكوت لادنر، رئيس الاستثمار في «هورايزن إنفيستمنت»، انخفاضاً محتملاً بنسبة 10%، ما يستلزم التحول في سياسة البنك المركزي. إلا أنَّه لا يتوقع حدوث ذلك في المستقبل القريب، فمن المرجَّح أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم.
انخفاضات يومية كبيرة
يعدُّ هذا العام من أسوأ الأعوام من حيث الانخفاضات اليومية الكبيرة، مع انخفاض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 2% في 14 جلسة، ما يضع عام 2022 في قائمة أكبر 10 انخفاضات وفقاً لمقالة نشرتها «بلومبيرغ» حديثاً. ومع ذلك، فإن مستويات مؤشر الخوف أقل من مستويات أسواق المضاربة على الهبوط السابقة، ما يشير إلى أن السوق لم تصل إلى نقطة الارتفاع المستدام.
استناداً إلى تاريخ أسواق المضاربة على الهبوط، يجب أن يشهد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بعض الانتعاش بحلول نهاية 2022. لكن يختلف الأمر في سنوات الركود، إذ يرى مايكل ج. ويلسون من «مورغان ستانلي» أنَّ مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يحتاج إلى انخفاض آخر بنسبة 15% أو 20% إلى نحو 3000 نقطة حتى يعكس السوقُ تماماً حجمَ الانكماش الاقتصادي.
أما بيتر غارني، رئيس استراتيجية الأسهم في «ساكسو بنك إيه إس»، فيشير إلى أن القاع أقل بنحو 35% من أعلى مستوى قياسي في يناير، ما يشير إلى المزيد من الانخفاضات بنحو 17%. لذا يجب على شركات مثل «تسلا» و«إنفيديا» وشركات العملات المشفرة الاستسلام قبل القضاء على تجاوزات المضاربة والوصول إلى القاع.
نصف ثانٍ أفضل
ومع ذلك، يتوقع المضاربون على الهبوط في «وول ستريت» نصفاً ثانياً أفضل، رغم أنه لن يكون كافياً لتعويض الانخفاض حتى الآن. كما يتوقع الاستراتيجيون في أوروبا انخفاض مؤشر «ستوكس 600» بنسبة 4% خلال العام، مع العلم أنه انخفض حتى الآن بنسبة 17%. وظلَّت تقديرات الأرباح متفائلة نسبياً رغم حالة الاكتئاب السائدة في السوق، إذ يَظهر ذلك حين تبدأ الشركات الأمريكية والأوروبية في الإبلاغ عن أرباح الربع الثاني في غضون أسبوعين. كما صمد الطلب حتى الآن رغم تدهور المزاج الاستهلاكي، ولكن مع موجود علامات تدلُّ على تراجع الإنفاق الأمريكي، حيث ذكرت أنيكا تريون، المديرة العامة في «فان لانشوت كيمبن»، أن «الإنفاق كان متماسكاً لأنَّ الفجوة سُدَّت من خلال المدَّخرات التي تراكمت خلال الوباء، ولكن من الواضح أن ذلك ليس مستداماً».
ويتوقع الخبراء بعضَ الانخفاضات، إذ تعدُّ تقديرات هامش الربح العالمي متفائلة للغاية. كما يرجِّح المخططون الاستراتيجيون لمجموعة «غولدمان ساكس» انخفاض هوامش أرباح الشركات الأمريكية العام المقبل، سواء غرق الاقتصاد في الركود أم لا. وأما في أوروبا، فيعدُّ محللو شركات «ستوكس 600» الأكثر مضاربة على الارتفاع منذ عام 2001، وفقاً لبيانات «بلومبيرغ»، فبينما يُظهر مؤشر «سيتي غروب»، الذي يتتبَّع العدد النسبي لانخفاض وارتفاع الأرباح لكل سهم، أكبرَ الانخفاضات في الولايات المتحدة منذ عام 2020، فإن عدد الانخفاضات الأوروبية بدأ للتو يفوق عدد الارتفاعات.
متوسطات طويلة الأجل
تعد ألمانيا من بين الأسواق المعرَّضة للخطر لأن خفض روسيا لإمدادات الغاز يهدِّد القلب الصناعي لأكبر اقتصاد في أوروبا. كما جعلت توقعات الأرباح القوية التقييمات الأمريكية والأوروبية تبدو أقل مقارنة بالمتوسطات طويلة الأجل، ما أغرى بعض المستثمرين لشراء الأسهم المنخفضة وتأجيج الارتفاعات قصيرة الأجل. ولكن مقارنة بعائدات السندات، فإن الأسهم، في أوروبا على الأقل، لا تبدو رخيصة. في حين تتزايد المخاوف من الركود، فإن التضخم المتسارع يكمن في قلب المشكلة، حيث استمر في الارتفاع حتى عندما اتخذت البنوك المركزية خطوات أكثر عدوانية، ما يمكن أن يؤدي إلى الركود. ورغم وجود بعض المؤشرات التي تشير إلى اقتراب ذروة التضخم، فإن محافظي البنوك المركزية يواصلون العمل بعد أن اتُّهموا بالاستخفاف بالتهديد في بداية العام.
من جهتها، ذكرت كارولين شو، مديرة المحفظة في «فيديليتي إنترناشيونال»، أن «التضخم وصل لمستويات لم يشهدها العديد من الناس من قبل، والبنوك المركزية ترفع أسعار الفائدة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية». كما تتوقع شو حدوث «أخطاء في السياسة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الأسواق».
أما في الأسواق الناشئة، فيشير المستثمرون إلى ضرورة تحوُّل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى سياسة أقل تشدداً لتخفيف المخاوف رغم التقييمات الهابطة، حيث سجَّلت الأسهم أسوأ أداء لها في النصف الأول منذ عام 1998 عندما قلبت الأزمةُ الأسواقَ المالية الآسيوية وتخلَّفت روسيا عن السداد. علماً بأن أسواق التكنولوجيا الموجهة نحو التصدير في تايوان وكوريا الجنوبية ستشهد المزيد من الضغوط من تباطؤ النمو الاقتصادي والبنوك المركزية ذات السياسة الصقرية، إذ تعدُّ مؤشرات الأسهم فيها من بين أكثر المؤشرات تباطؤاً في المنطقة هذا العام.