من الناحية الفنية، فإن مسلسل «ريفو» الذي أنتجته وتعرضه منصة Watch It واحد من أجمل وأنضج المسلسلات المصرية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، وأكثرها تجديداً وتعبيراً عن حساسية مختلفة لجيل مختلف من صناع الدراما والممثلين.
ومن الناحية العاطفية فالمسلسل خلق عاصفة من مشاعر النوستالجيا (الحنين للماضي) ليس فقط بين جيل التسعينيات الذي عايش الفترة التاريخية التي يدور فيها الفيلم (نهاية العقد الأخير من القرن العشرين)، ولكن بين الأجيال الأصغر الذين ينتابهم حنين إلى عقد التسعينيات يشبه حنين الكبار إلى عصر الأبيض والأسود.
من النادر أن يحظى عمل واحد بإشادة النقاد وحب المشاهدين من أعمار مختلفة، خاصة إذا كان هذا العمل يخلو من أسماء النجوم المعروفين، ويقوم بصناعته وبطولته مجموعة من الشباب، باستثناء المخضرمين محسن محي الدين وسلوى محمد علي في دورين متميزين.
العمل الذي كتبه محمد ناير، المولود في 1982، والذي عاصر فترة أحداث المسلسل مراهقاً، يدور حول مجموعة من الشباب الجامعيين على مفترق العقد الثاني من حياتهم، يشكلون فريقاً موسيقياً يطلقون عليه اسم «ريفو» (على اسم مسكن الصداع الشهير)، ولكن سرعان ما ينفرط عقد الفريق عقب حدوث كارثة كبيرة في حياتهم.
يبدأ المسلسل في الزمن الحاضر، حيث يتوفى كاتب سيناريو شهير أثناء تأليف فيلم عن حياة الفريق، وتقرر ابنته استكمال البحث وكتابة السيناريو وفاءً لأبيها الذي كانت ترتبط به ارتباطاً شديداً، وتبدأ الأحداث في الانتقال بين الحاضر والماضي، تكمل بعضها، حيث تتكشف أسرار ليست في الحسبان، تتجمع لتكشف بدورها مزيداً من الأسرار عن الماضي والحاضر وعلاقة الشخصيات والزمنين ببعضهما.
في واحدة من حلقاته الأولى يقول محسن محي الدين بلسان شخصية كاتب السيناريو إن الأغاني قد تصبح أحياناً بمثابة آلة زمن تعيدنا إلى الزمن الماضي، وهو ما يطمح مسلسل «ريفو» إلى أن يفعله ليس فقط بالأغاني، ولكن من خلال الدراما أيضاً.
كتابة ناضجة، لعلها الأفضل منذ مسلسل محمد ناير الأول «المواطن إكس»، تتسم بحبكة تشويقية محكمة، وتكاد تخلو من المشاهد المجانية (التي يمكن الاستغناء عنها)، وشخصيات من لحم ودم، يبدو أن المؤلف كان يعرف بعضها، وحوار واقعي ودرامي ومركز إلى حد بعيد.
في عمل تدور كثير من أحداثه في الماضي، ويتسم بالغموض، يبرز عمل مدير التصوير محمد عبدالرؤوف الذي يميز بين زمني المسلسل بصورتين مختلفتين تنتمي كل منهما لعصرها، ولكنهما تتآلفان مثل لحنين موسيقيين في سوناتا مفعمة بالمشاعر ودرجات الألوان، تكملها موسيقى تصويرية شجية لساري هاني وأغانٍ من تأليف وألحان وغناء أمير عيد، حديثة لكنها تنتمي لعقد التسعينيات بجدارة.
لكن المفاجأة الحقيقية في مسلسل «ريفو» هي المخرج يحيى إسماعيل الذي يقدم عمله الأول في الدراما التلفزيونية (بعد سنوات من العمل في الإعلانات)، ولكنه يبدو متمكناً من أدواته، متحكماً في إيقاع العمل، منتبهاً للتفاصيل، يقود فريق عمله من الممثلين ببراعة.
ربما تكون هناك ملحوظة على العمل، هي أن بعض الممثلين أكبر من أعمار الشخصيات التي يؤدونها مثل أمير عيد وصدقي صخر، الشخصيتين الأساسيتين في فرقة «ريفو»، ومع ذلك فهما يعوضان تلك المشكلة بأداء جيد، وفي الحقيقة يشكل أمير عيد، وهو مغن معروف في أوساط الشباب منذ أكثر من 10 سنوات، إضافة متميزة لهذا العمل، كما أنه الدور الأكبر والأكثر لفتاً للأنظار لصدقي صخر.
«ريفو» هو شهادة ميلاد للممثلة الشابة ركين سعد التي تلعب الدور الرئيسي والأكبر، وهي صاحبة أداء وحضور قويين وشخصية مختلفة في الدراما المصرية. كذلك تتألق الموهوبة سارة عبدالرحمن، خاصة في المرحلة المتأخرة من شخصيتها، كامرأة ناضجة شرسة في الدفاع عن حياتها ونفوذها. وبشكل عام يرتفع عنصر التمثيل في هذا العمل ويصعب ألا نتجاهل أداء حسن أبوالروس ومينا النجار وسارة الحسيني وهشام الشاذلي وتامر هاشم ومحمد المولى وغيرهم.
يمكن مقارنة مسلسل «ريفو» أحياناً بفيلم خيري بشارة الذي يعد أفضل تعبير عن فترة بداية التسعينيات وروحها وموسيقاها، كما أنه يذكرنا أحيانا بمسلسل «بيمبو» للمخرج عمر سلامة وبطولة أحمد مالك، الذي عرض على منصة «شاهد VIP» منذ عدة أشهر، لكنهما يتشابهان في الشكل الخارجي فقط، حيث يستعير كل منهما زمن نهاية التسعينيات.
لكن روح «ريفو» مختلفة، وأقرب إلى مشاعر نهاية القرن المتشائمة والحالمة التي يبدو أنها لم تزل تعبر عن جيل اليوم أيضاً!