دشَّن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «مكتبة محمد بن راشد»، المنارة الثقافية الجديدة في دبي ودولة الإمارات، والتي تهدف إلى تعزيز وتعميم ثقافة القراءة ودعم النشاط الإبداعي والمعرفي والفني على الصعيد الفردي والمجتمعي وتوفير منصة معرفية للعقول الفكرية والأدبية والإبداعية في المنطقة والعالم، ودعم وتسهيل وصول الكتاب، الورقي والرقمي، للناس من مختلف الفئات والاهتمامات، مع التركيز على فئة الشباب، ضمن مسعى يستهدف بناء جيل عربي يدرك أهمية القراءة والثقافة في دعم مسيرة التنمية في مجتمعاته.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «هدفنا من المكتبة تعزيز القراءة ونشر المعرفة ودعم الباحثين والمبدعين والعلماء.. هدفنا من المكتبة إنارة فكر الإنسان»، لافتاً سموه إلى أن «أول وصية من السماء هي (اقرأ).. واليوم نطلق صرحاً ثقافياً وفكرياً لأجيالنا لتنفيذ هذه الوصية».
وأضاف سموه: «الاقتصاد بحاجة للمعرفة، والسياسة بحاجة للحكمة، والأمم بحاجة للتعلم.. وكل ذلك موجود في الكتاب.. واليوم لدينا صرح يضم ملايين الكتب لتطوير مسيرتنا التنموية»، مشيراً سموه إلى أن «المكتبات ترسّخ هويتنا.. وثقافتنا.. وجذورنا.. وتصنع مستقبلنا ومستقبل أجيالنا».
جاء ذلك خلال احتفالية خاصة نُظمت في المكتبة، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يرافقه سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية.
وتجوّل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مختلف أقسام المكتبة ومرافقها، حيث تفقَّد جانباً من محتواها ومقتنياتها، مؤكداً سموه أهمية رفد المكتبة بما يستجد في ساحة النشر العربية والعالمية، وتحويل المكتبة إلى مركز معرفي يشهد أنشطة ثقافية وإبداعية على مدار العام.
حضر الافتتاح والجولة سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس هيئة دبي للطيران المدني الرئيس الأعلى لمجموعة طيران الإمارات، وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس دبي الرياضي، والأمين العام لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية محمد بن عبدالله القرقاوي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، محمد المر، وعدد من الوزراء ومديري الدوائر الحكومية والمسؤولين.
وقد شُيِّدت مكتبة محمد بن راشد، التي تطل على خور دبي، على مساحة تغطي أكثر من نصف مليون قدم مربعة، ما بين مساحة الأرض ومساحة المبنى المؤلف من سبعة طوابق، بكلفة إجمالية بلغت نحو مليار درهم.
وعلى امتداد طوابقها السبعة، تضم مكتبة محمد بن راشد محتوى معرفياً ضخماً يتألف من أكثر من 1.1 مليون كتاب ورقي ورقمي باللغات العربية والأجنبية، وما يزيد على 6 ملايين رسالة علمية، ونحو 73 ألف مقطوعة موسيقية، و57 ألف فيديو، ونحو 13 ألف مقالة، وأكثر من 5 آلاف دورية ورقية وإلكترونية تاريخية كأرشيف لـ325 سنة، ونحو 35 ألف صحيفة ورقية وإلكترونية من مختلف أنحاء العالم، وما يقارب 500 من المقتنيات النادرة.
مكتبات تخصصية ومحتوى متجدد
وقال محمد المر، في كلمة خاصة بمناسبة تدشين هذا الصرح الحضاري، إن: «مكتبة محمد بن راشد تجسد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الهادفة إلى تعزيز القطاع الثقافي والمعرفي في دولة الإمارات وبناء جيل متسلّح بالعلم والمعرفة لقيادة مستقبلنا والنهوض بمكونات حضارتنا».
وأشار المر إلى أن: «مكتبة محمد بن راشد أحد أكثر مباني المكتبات العامة تفرداً في المنطقة والعالم، حيث تشكل أيقونة معمارية ومنارة معرفية وثقافية متفردة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، لتعكس ماضي دبي وموروثها الثقافي وحاضرها الزاهر وتطلعاتها المستقبلية»، لافتاً إلى أن «المكتبة تضيف بعداً جديداً إلى اقتصاد المعرفة القائم في الدولة، من ناحية تغيير مفهوم مكتبات القرن الحادي والعشرين لتعبر عن الاتجاهات المستقبلية للجيل القادم من المكتبات المعتمدة على أحدث التقنيات».
وأكد أن المكتبة ستسهم في الحفاظ على الأدب والثقافة والإرث العربي والعالمي وترسيخ القراءة والمعرفة في المجتمع الإماراتي والعربي كأسلوب حياة لتدعم بذلك الاستراتيجية الوطنية للقراءة، وتعزز مكانة دبي كعاصمة ثقافية عالمية.
وتندرج مكتبة محمد بن راشد تحت مظلة مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، المؤسسة التنموية والإنسانية والتمكينية الأكبر من نوعها إقليمياً، ضمن محور نشر التعليم والمعرفة، أحد قطاعات عمل المؤسسة الخمسة، من خلال عشرات المبادرات الساعية إلى الارتقاء بالواقع الثقافي والمعرفي في المنطقة.
كما تترجم المكتبة مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للقراءة (2016 - 2026)، الساعية إلى بناء مجتمع إماراتي معرفي تشكل القراءة جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية.
وقد تم تصميم المكتبة على شكل المسند الخشبي المستخدم في حمل الكتب والمعروف باسم «رحل»، وتبلغ مساحتها الإجمالية 581.903 قدم مربعة (ما يعادل أكثر من 54 ألف متر مربع)، وتوفر بيئة تحفيزية ذات آفاق إبداعية تنهض بالمنتج الثقافي والإبداعي في الدولة، حيث تستوعب جميع فئات المجتمع من الشباب والأطفال والمؤسسات الحكومية والخاصة والكتاب والباحثين والمفكرين والفنانين، كما تستقبل القراء والشخصيات الأدبية والفكرية من مختلف أنحاء المنطقة والعالم.
وتتألف مكتبة محمد بن راشد من 9 مكتبات تخصصية هي: المكتبة العامة، ومكتبة الإمارات، ومكتبة الشباب، ومكتبة الطفل، ومكتبة المجموعات الخاصة، ومكتبة الخرائط والأطالس، ومكتبة الفنون والإعلام، ومكتبة الأعمال، ومكتبة الدوريات.
كما توفر المكتبة إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الكتب الإلكترونية وغيرها من الوسائط الرقمية، وإمكانية الاطلاع على ملايين الكتب ومصادر المعلومات والمحتوى من جميع أنحاء العالم.
وإضافة إلى المكتبات المتخصصة، تضم مكتبة محمد بن راشد العديد من الأقسام المهمة من بينها:مركز المعلومات
يعد مركز المعلومات من الأقسام الحيوية في مكتبة محمد بن راشد، حيث يشكل مركزاً مرجعياً ضخماً يحتوي على مجموعة متنوعة من القواميس والموسوعات والمصادر المرجعية الأخرى بما في ذلك مراجع اللغة العربية. ويضم المركز أكثر من 4.400 عنوان من ضمنها 1000 كتاب من كتب برايل للمكفوفين.
معرض كنوز المكتبة
يضم معرض كنوز المكتبة مجموعة فريدة من الكتب والأطالس والمخطوطات النادرة والقديمة، التي يعود بعضها إلى القرن الثالث عشر للميلاد، من بينها أول طبعة للقرآن الكريم باللغة العربية صدرت في هامبورغ عام 1694، والطبعة الأولى من كتاب «وصف مصر»، وهو سجل موسوعي للآثار المصرية والتاريخ المصري في القرن الثامن عشر، طُبع في الأعوام 1809 - 1828، وتمت كتابته وتجميعه إبان الحملة الفرنسية على مصر للقائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت، إلى جانب الطبعات الأولى للكثير من كتب الرحلات إلى الجزيرة العربية وكتب وصف منطقة الشرق الأوسط، ومجموعة ثمينة من الخرائط الأوروبية والعثمانية للجزيرة العربية من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، من بينها خريطة بطلميّة مُذهّبة ومُلوّنة للجزيرة العربية مطبوعة في عام 1482، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأطالس التي تم انتقاؤها بعناية، من بينها أطلس عن النجوم وأطلس بحري وأطلس عن الخيول والصقور.
كما يضم معرض كنوز المكتبة إصدارات مبكرة من عدد من الكلاسيكيات الأدبية، علاوة على ترجمات لاتينية لأعمال علمية من العصر الذهبي الإسلامي، إلى جانب مجلات ودوريات عربية نادرة من العالم العربي وخارجه، إضافة إلى مجموعة رائعة من توقيعات شخصيات عالمية.
حديقة اللغات ومسرح المكتبة
وتضم مكتبة محمد بن راشد العديد من المرافق والأقسام الحيوية؛ من بينها «حديقة اللغات»، حيث تشكل «ملتقى للحكمة» من خلال 60 عموداً تعرض عشرات الاقتباسات لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتعكس جوانب عدة من رؤيته في القيادة والحكومة والنهوض بالدولة والثقافة والمعرفة والتعليم والنهوض بالدولة، مترجمة لأكثر من 170 لغة، حديثة وقديمة.
ومن أهم المرافق الأخرى «مسرح المكتبة»، وهي قاعة تم تجهيزها بأحدث التقنيات السمعية والبصرية، وتحتوي على مقاعد بمستويات متدرجة مصممة للعروض المسرحية والمحاضرات الثقافية والفكرية والمؤتمرات المهنية ومختلف أنواع الفعاليات الحية التي تسعى إلى استقطاب شريحة متنوعة من الجمهور.
وإلى جانب المسرح الرئيسي داخل مكتبة محمد بن راشد، هناك مسرح خارجي في الهواء الطلق، بالقرب من حديقة اللغات، يشكل فضاء مثالياً لإقامة الفعاليات والعروض الحية الثقافية والفنية والموسيقية، خاصة خلال فصل الشتاء بطقسه الجميل.
قاعات المؤتمرات والدراسة والبحث
من الأقسام الأخرى في مكتبة محمد بن راشد، قاعات المؤتمرات التي تعد مثالية لعقد الاجتماعات أو تنظيم ورش العمل أو الدورات التدريبية.
ابتكار واستدامة
تستخدم مكتبة محمد بن راشد أحدث تكنولوجيا المكتبات العالمية والذكاء الاصطناعي؛ حيث تضم مخزناً آلياً، ونظام استرجاع إلكتروني للكتب، وأكشاك الخدمة الذاتية، ومختبر رقمنة الكتب، والروبوتات الذكية للردّ على استفسارات الزوار، إضافة إلى تقنيات الواقع المعزز والافتراضي وغيرها.
كذلك تُعد المكتبة صديقةً للبيئة، مع مراعاة أعلى معايير الاستدامة. وتحصل المكتبة على 10% من الطاقة التي تستهلكها من الألواح الشمسية المُركّبة على سطح المبنى. وقد صُمم الهيكل الخارجي لعزل داخل المبنى، وتخفيف الاكتساب الحراري والمساعدة على تنظيم البيئة الداخلية للمبنى.
وقد تم تصميم المكتبة لتقليل استهلاك الري بنسبة 50%، كما يتم إعادة استخدام المياه المجمَّعة من أجهزة تكييف الهواء لاستخدامها في ريّ المساحات الخضراء.