ما يحدثُ من صدام مسلح في ليبيا، وخاصة في عاصمتها«طرابلس» هذه الأيام ـ وهو سياق متواصل لأكثر من عشر سنوات ـ ظاهرهُ الحرب الأهلية الساعية إلى السلم الاجتماعي حسب تصريحات القائمين به، وباطنُهُ تحقيق مآرب جماعات وتنظيمات يتداخل لديها المحلي مع الدولي لدرجة يتعذر الفصل بينهما، وذلك في حال تمكن تيار بعينه من السيطرة على البلاد كلها، وليس الحكم فقط، وهذا أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن، لأسباب ثلاثة:
أولها: غياب الشرعية (بكل أنواعها) بحيث يمكن الاستناد إليها لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة.
وثانيها: صراع الإرادات بين قوى مختلفة محلية من حيث الوجود، لكن لها امتداد خارجي بدعم المادي والمعنوي.
وثالثها: السباق المتواصل لنهب منظم أو فوضوي لخيرات ليبيا، خاصة البترول والغاز.
الحرب الدائرة في ليبيا اليوم تأتي على خلفية سباق محموم ودامٍ بين السّاسة وقادة المليشيات على فرض أمر واقع قبل 22 يونيو الجاري، أي قبل انتهاء خريطة الطريق التي كونتها لجنة الخمسة والسبعين برعاية أممية، وأدت إلى مجيء عبدالحميد الدبيبة على رأس السلطة التنفيذية لتهيئة الظروف لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وإقامة مصالحة بين الأطراف المتصارعة، وهذا لم يتحقق.
لقد ولد هذا السباق منذ سبتمبر 2021 حين سحب البرلمان الليبي الثقة من عبدالحميد الدبيبة، وتعمق أكثر في العاشر من فبراير الماضي، حين صوت مجلس النواب الليبي، بالإجماع على تكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة عبدالحميد الدبيبة، وفي الأول من مارس الماضي، منح مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، الثقة لحكومة فتحي باشاغا، الذي أدى ـ في الثالث من مارس ـ وعدد من وزرائه اليمين الدستورية في مقر البرلمان بطبرق، بينما غاب أكثر من 13 وزيراً عن أداء اليمين، بسبب منعهم من السفر إلى طبرق من قبل قوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية.
وبلغ الصراع ذروته في الـ17 من الشهر الماضي، عندما دخل باشاغا طرابلس، لكنه واجه مقاومة شرسة من المليشيات المؤيدة للدبيبة وجرت اشتباكات دامت ساعات طويلة إلى أن انسحب باشاغا، الأمر الذي زاد من الاحتقان في البلاد، في ظل وجود مقاتلين أجانب، وشركات عسكرية خاصة.
بعد هذا كله، يبقى الأمل في النتائج المنتظرة من توصل وفدَي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في لجنة المسار الدستوري إلى اتفاق، بعد استئناف المحادثات الأحد 12 يونيو الجاري، في القاهرة، انطلاقاً من أن الحوار الليبي ـ الليبي هو السبيل الوحيد للوصول إلى التوافق واستقرار البلاد.