الكوميديا والرعب هما أكثر الأنواع السينمائية شعبية، وهما أيضاً من أصعب الأنواع في صنعهما، إذ يعتمد كل منهما على خلطة دقيقة يمكن أن تفسد لأقل سبب. وكم من أعمال كوميدية شاهدها الجمهور غاضباً، وكم من أعمال رعب شاهدها ضاحكاً!
يراهن مسلسل «البيت بيتي»، آخر إنتاجات منصة «شاهد»، على الاثنين معاً: الضحك والرعب، وهي خلطة نادرة في السينما العالمية، ولكن يبدو أن صناع الدراما والسينما المصريين وقعوا في حبها، ويحاولون، عن غير قصد غالباً، أن يطورا منها نوعاً محلياً له سماته وتقاليده المميزة.
وقد رأينا خلال السنوات الماضية عدداً من الأفلام والمسلسلات التي تقدم نفسها ككوميديا مرعبة، لعل من أحدثها فيلم «زومبي» الذي بدأ عرضه في عيد الفطر الماضي، ووصلت إيراداته حتى الآن إلى ما يقرب من 18 مليون جنيه، ومسلسل «شقة 6» الذي أخرجه محمود كامل ولعبت بطولته روبي.
توازن
عادة ما تعاني هذه الأعمال من مشكلة عدم التجانس بين الكوميديا والرعب، حيث يبدو أحدهما مقحماً على الآخر، ولكن من خلال مشاهدة الحلقات التي عرضت حتى الآن من مسلسل «البيت بيتي» يمكن القول إن هناك توازناً في غاية الدقة بين الاثنين، وأن صناع العمل نجحوا في إثارة الضحكات والصرخات بالقدر نفسه تقريباً. ويعود ذلك لعدة عناصر جيدة توافرت لهذا العمل.
أول هذه العناصر السيناريو الجيد الذي كتبه كل من أحمد عبدالوهاب وكريم سامي، والذي ينسج قصة واضحة ذات دراما مقنعة ومواقف طبيعية لا أثر فيها للافتعال أو لوي مسار الأحداث أو إيقافها كل عدة دقائق لرمي مجموعة من النكات.
العنصر الثاني هو الممثلون: أحدهما متخصص في الكوميديا، وهو مصطفى خاطر الذي شارك من قبل في العديد من الأعمال. ومصطفى خاطر يتميز بملامحه العادية وأدائه الطبيعي على عكس معظم الكوميديين الذين يتسمون بملامح وهيئة وأداء تمثيلي مفرطين.
البطل الثاني في «البيت بيتي» هو كريم محمود عبدالعزيز الذي يبحث عن صوته وصورته الخاصين منذ سنوات، ويجرب حظه في الدراما والأكشن والكوميديا، ولكن دون أن يبدي تفوقاً استثنائياً في أحدهم.
أداء متقارب
كريم محمود عبدالعزيز تألق أخيراً في فيلم «البحث عن زيكو»، الذي يروي قصة اجتماعية مشوقة ومؤثرة بقدر محسوب من الكوميديا، وقد حقق الفيلم الذي أخرجه بيتر ميمي نجاحاً كبيراً ووصلت إيراداته المحلية إلى ما يقرب من 30 مليون جنيه.
وكما كان «البحث عن زيكو» أنجح أعمال كريم محمود عبدالعزيز في السينما، يبدو أن «البيت بيتي» سيصبح أنجح أعماله في الدراما التليفزيونية، وأداء كريم في العملين متقارب فهو «واقعي كوميدي»، يذكرنا إلى حد ما بأداء والده النجم الراحل في عدد من أعماله الشهيرة مثل «العار» و«جري الوحوش» و«الكيت كات»!
هناك أيضاً انسجام وكيمياء في أداء كل من مصطفى خاطر وكريم محمود عبدالعزيز، وأهم شيء أن أحداً منهما لا يحاول «الاستيلاء على الكاميرا» من الآخر بالاستظراف أو الإفراط الزائد في الأداء.
مزيج نادر
وبجانب الاثنين تأتي ميرنا جميل، التي تجمع بين الجمال الأنثوي والأداء الكوميدي، وهي تملك مزيجاً نادراً أيضاً في السينما والدراما نجحت فيه أسماء مثل شادية وهالة فاخر وياسمين عبدالعزيز، وإن كانت تحتاج إلى المزيد من صقله وتطويره.
يدور «البيت بيتي» حول «ثيمة» القصر المسكون التي رأيناها في عشرات، بل مئات الأعمال من قبل، ومنها «شقة 6»، وهذا النوع من الرعب والغيبيات موجود في الحكايات والمعتقدات الشعبية العربية على عكس أنواع رعب تبدو بعيدة مثل الزومبي ومصاصين الدماء. ورغم أن الفكرة الأساسية والقصص تتكرر بلا انقطاع في هذا النوع من الأعمال، إلا أن ما يهم المشاهد هو التفاصيل المختلفة والقدرة على كسر التوقعات وتحقيق بعض المفاجآت التي لا يتوقعها المشاهد. وحتى الآن يتمتع العمل بقدر من التشويق والإتقان وتفجير الضحكات والصرخات ببراعة، أما التوقعات والمفاجآت فلم تزل في جعبة «العفاريت»!
كل ذلك لم يكن له أن يتحقق لولا وجود المخرج خالد مرعي الذي يعطي لكل من الكوميديا والرعب حقهما ومساحتهما ولا يترك لأي منهما أن تغلب أو تؤثر سلبياً على الآخر، سواء في التمثيل أو التصوير أو شريط الصوت أو مشاهد الكائنات الغيبية والمؤثرات الخاصة إلى آخره، ومثلما هو الحال مع مصطفى خاطر وكريم محمود عبدالعزيز، فهذا واحد من أفضل أعمال خالد مرعي.