أجهزة ربط الأقمار الصناعية بالبنية التحتية للإنترنت تم تشييدها في بولندا
15 مليون دولار تمويل نظام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في أوكرانيا
لعبت الأقمار الصناعية دوراً هائلاً في توازنات الصراع الدائر في أوكرانيا؛ فرغم انعدام التكافؤ بين الجيشين الروسي والأوكراني، لكن توحيد جبهات معارك كييف وربطها بالقيادة عبر الإنترنت، أحال استهانة الدب الروسي بالخصم إلى رقم قوي في معادلة الحرب. بغير مظلة الأقمار الصناعية وتكنولوجيا الاتصالات، يفرض واقع «الجزر المنعزلة» نفسه على ساحة المعارك، ويغيب التنسيق بين سلاح وآخر. وربما قرأت روسيا مبكراً حرص كييف ومعسكر الغرب على تضييق فجوة انعدام التكافؤ العسكري مع موسكو عبر التعويل على الأقمار الصناعية. وقبل ساعة فقط من العملية الروسية فجر 24 فبراير الماضي، نجح الكرملين في اختراق شركة Viasat، وهي مزود أمريكي للأقمار الصناعية، استخدم الجيش الأوكراني شبكتها للتواصل مع قوات الخطوط الأمامية، وفقاً لتقارير سربتها وكالتا الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
أما إدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فأدركت هي الأخرى قبل الحرب أهمية وصول شبكة الإنترنت سواء إلى العسكريين أو المدنيين خلال الحرب المحتملة، إذ يحتاج الجنود إلى وسيلة ناجعة للبقاء على اتصال أثناء ضباب الحرب، كما أن اللقطات الأولية للهجمات الروسية، التي جرى تحميلها غالباً من جانب الأوكرانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نقلت الصراع مباشرة إلى الهواتف الذكية في مختلف أنحاء العالم.
ريزنيكوف وماسك
نظراً لقناعة كييف بحتمية تفعيل استراتيجية الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، غرَّد نائب رئيس الوزراء الأوكراني ألكسي يوريفيغ ريزنيكوف بعد 48 ساعة من اندلاع الحرب، وخاطب إيلون ماسك، وطالبه بسرعة توفير تقنيات شركة Starlink، لربطها بالأقمار الصناعية SpaceX. وبين عشية وضحاها، أصبحت أوكرانيا مرتبطة بـ50 قمراً صناعياً. ورغم رفض شركة الأقمار الصناعية SpaceX التعليق على تلك المعلومات، لكن صحيفة «بولوتيكو» نقلت عن رئيسها جوين شوتويل قوله أمام اجتماع في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: «غرَّد الأوكرانيون وأبلغوا إيلون ماسك برغبتهم في الحصول على تقنيات Starlink، فتجاوبنا مع الطلب ونقلنا المنظومات إلى أوكرانيا وقمنا بتشغيلها فوراً».
وحسب مسؤول في وحدة ابتكار الدفاعات الأمريكية، فإنه في اليوم التالي للعملية العسكرية، دعا إيلون ماسك إلى اجتماع وقال: «أريد تغطية كامل الأراضي الأوكرانية بشبكة Starlink».
ووفقاً لما نقلته الصحيفة الأمريكية عن 3 مسؤولين عسكريين رفضوا الكشف عن هويتهم، أثبتت الأقمار الصناعية كفاءة عالية في مواجهة الروس، أو على الأقل وقف زحف قواتهم نحو كييف، إذ تعد Starlink واحدة من بين أقوى شبكات الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض. وعلى عكس الأقمار الصناعية التقليدية ذات المدار العالي، التي تدور حول آلاف الأميال فوق سطح الأرض، وتحوم فوق نقطة واحدة على الأرض لتبث إشارات الراديو لأسفل، يعتمد الجيل الجديد من الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض على عديد الأقمار التي تعمل في كوكبة، ما يحول دون قدرة المهاجم على تحديدها في وقت واحد لتعطيل النظام بأكمله.
أولى المعدات
وبعد فترة وجيزة من وصول أولى المعدات إلى كييف، قامت الشبكة التي يمتلكها إيلون ماسك بتبديل شفرات المنظومة لفترة وجيزة مع السياسي الأوكراني فيدوروف، الذي تحدث على لسان زيلينسكي حينئذ وطلب ربط الأخير عبر Starlink بنافذة Zoom والإشراف على عدم توقفها نهائياً. وقالت شركة Starlink في بيانات عامة إن «تمويل نظام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في أوكرانيا، يقدر بنحو 15 مليون دولار، مع وضع كل جهاز استقبال للأقمار الصناعية، المعروف باسم Dishy McFlatface». ومع ذلك، قالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أوائل أبريل إنها اشترت أكثر من 1300 طبق استقبال الأقمار الصناعية كجزء من مشروع Starlink، بالإضافة إلى تبرع SpaceX بـ3600 محطة أخرى. وقامت الوكالة الفيدرالية الأمريكية بعد ذلك بمسح إشارات كافة المعدات التي اشترتها واشنطن، رغم أنها أكدت لـ«بولوتيكو» أنها شحنت المعدات من الولايات المتحدة إلى أوروبا الشرقية. وقال متحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن الوكالة ممتنة لـ SpaceX والمانحين الآخرين للمساهمة في مشروع Starlink.
كما ساعد الحلفاء الغربيون الآخرون، بما في ذلك الحكومتان الفرنسية والبولندية، في دعم أوكرانيا لوجستياً، بما في ذلك التعامل مع تسليم المعدات في منطقة بعينها من الأراضي الأوكرانية، وفقاً لمسؤولين أوروبيين على علم مباشر بهذه المداولات. وأضاف أحد هؤلاء المسؤولين أن ما يسمى بالمحطة الأرضية، أو الأجهزة التي تربط Starlink الأقمار الصناعية بالبنية التحتية المحلية للإنترنت، كانت موجودة في بولندا المجاورة لتفادي الهجوم الروسي عليها.
أريحية التنسيق
وعبر هذه الخدمات، يعمل اللواء الآلي الأوكراني 39 بأريحية في التنسيق بين كافة الأسلحة والنقاط العملياتية، كما لا يقتصر الأمر على الاتصال العسكري، وإنما يتجاوزه إلى التواصل مع العائلات والأصدقاء، ونقل تطمينات حول ساحة القتال في كل مكان من خلال رسائل الأقمار الصناعية المشفرة، خاصة بعد قطع شبكة الهواتف الخلوية المحلية قبل أسابيع تحت وطأة القصف العنيف.
وخلال الأيام الأولى من اندلاع الصراع الأوكراني، دخلت 500 محطة أرضية البلاد، ولم تمضِ ساعات إلا وارتبط العدد ذاته بالخدمة باستثناء 25 محطة فقط. ونقلت «بولوتيكو» عن أليسا كوفالينكو التي تطوعت للقتال مع اللواء الآلي المنفصل 92 بالقرب من الحدود الروسية في منطقة خاركيف الشمالية، أنها تلقت تبرعاً بصحن القمر الصناعي الخاص بها من قبل مجموعة من المتطوعين الأوكرانيين، الذين قاموا بتمويل جماعي لشراء النظام و تسليمه مباشرة إلى خط المواجهة. وفي سياق لقاء عبر Starlink مع «بولوتيكو» تقول كوفالينكو: «لا يمكننا الاتصال بالعالم الخارجي بدون Starlink، وخلال الأسابيع الماضية، لم يكن لدينا اتصالات عبر الهواتف الجوالة».
وذيلت «بولوتيكو» تقريرها بالإشارة إلى أن الأقمار الصناعية وشبكات الإنترنت التي توفرها كفيلة بخلق واقع يغاير الحسابات والتقديرات العسكرية على جبهات القتال؛ واستشهد معدو التقرير على ذلك بعجز موسكو حتى الآن عن إخراس صوت الرئيس الأوكراني، وهو يخاطب جماهير بلاده والعالم يومياً عبر نافذة ZOOM، أو تنسيقه مع قادة أركان جيشه أو حتى غرف العمليات عبر رسائل الأقمار الصناعية المشفرة.