مع بدء الحرب الأوكرانية، اتجهت الأنظار صوب قادة أوروبا من أجل معرفة كيف سيواجهون العملية العسكرية الروسية، غير أنه بمرور الوقت بدأت الأنظار تتجه رويداً رويداً نحو قادة القارة العجوز الذين غادروا مناصبهم، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي غادرت منصبها قبل اندلاع العملية العسكرية بنحو 3 أشهر.
طوال المئة يوم -عمر الحرب الأوكرانية- ظل الجميع يبحث عن تصريح هنا وهناك نقلاً عن ميركل، حتى وجدوا ضالتهم في ندوة بالعاصمة برلين، حاورها خلالها الصحفي الشهير بمجلة «دير شبيغل» الألمانية ألكسندر أوسانغ.
مجرد ظهور ميركل في هذا التوقيت في حد ذاته حدث مدوٍ، وبالفعل تمكنت من خطف الأضواء من مختلف قادة العالم، حيث تسابقت مختلف وكالات الأنباء العالمية على نقل تصريحاتها. فعلى الرغم من أن مصير أوروبا لم يعد في يديها، إلا أنها تبدو بعيدة كل البعد عن التقاعد، وأنها ليست سوى خارج نطاق «المنصب»، حيث تتابع وتحلل كل شيء، حسبما وصفتها دير شبيغل.
ما أضفى أهمية مضاعفة على تصريحات ميركل أنها تعد واحدة من أكثر الزعماء التقاء بالرئيس الروسي بوتين. ميركل قالت خلال الندوة أكثر من تصريح يستحق التوقف أمامه، أهمها: «أن بوتين أبلغها خلال زيارتها إلى سوتشي 2007 أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان بالنسبة له أسوأ شيء حدث في القرن العشرين».
كما دافعت أيضاً عن معارضتها في عام 2008 لتوسيع الناتو باتجاه الشرق ليشمل أوكرانيا وجورجيا. وقالت «إذا كان الناتو قد أعطى البلدين إمكانية الانضمام في ذلك الوقت، لكان بإمكان الرئيس الروسي أن يكون قد تسبب في ضرر هائل في أوكرانيا».
تصريحات ميركل أحدثت صدى عالمياً، لا سيما أنها تتشابه إلى حد كبير مع التصريحات التي أطلقها ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر في منتدى دافوس، حينما قال:«سيكون المخرج المثالي من الأزمة الراهنة أن تكون أوكرانيا دولة محايدة، جسراً بين روسيا وأوروبا، وخطاً فاصلاً بينهما. وذكر أن هذا الاحتمال «غير موجود حالياً بنفس المعنى، ولكن لا يزال من الممكن اعتباره هدفاً نهائياً».
نستخلص من ذلك أنه لا بد من خطوة للخلف من أجل احتواء الصراع الراهن لأن إطالة أمد الأزمة أو تحولها إلى حرب استنزاف ستجعل الكل خاسراً. في تقديري أن الدول الغربية في طريقها لتجاوز فكرة «الحرب بالوكالة»، بدليل رفضها تقديم أسلحة دقيقة أو بعيدة المدى إلى كييف حتى لا تتسع دائرة المواجهة مع روسيا، في الوقت نفسه تلوح في الأفق «الواقعية السياسية»، إذ أشارت لها ميركل بصورة غير مباشرة، وتحدث عنها كيسنجر بصورة مباشرة، فروسيا ستقف بالمرصاد لفكرة توسع الناتو شرقاً، وهي الآن تدير معاركها الميدانية تكتيكياً وليس استراتيجياً. القصد أن الواقعية السياسية قد تكون خطوة واسعة نحو إنهاء الأزمة.