جهاد العبيد

كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مخاوفه حول الاعتماد على الدولار الأمريكي كعملة تحكم العالم، حيث قال: «أداء مطبعة النقود في أمريكا خلال جائحة كورونا غير مسبوق، المعروض النقدي في أمريكا بين عامي 2020 و2021 زاد 36% بواقع 5.9 تريليون دولار وهذا غير منطقي»، في محاولة للفت النظر حول قيمة الغطاء الذي تقدمه واشنطن لعملتها، دوافع هذا التصريح طبيعية من رجل يواجه حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة في أوكرانيا، ويرزح تحت أقسى العقوبات تاريخياً بقيادتها، ولكن ما هو رأي بقية العالم حول الاعتماد على الدولار في تعاملاته وتجارته؟

الحقيقة أن تغلغل الدولار في الاقتصاد العالمي جاء وفق ظروف استثنائية استغلها الأمريكيون بدهاء، وتدرجوا في تقوية عملتهم من خلالها، اليوم هناك استثمارات بالتريليونات في السندات الأمريكية والمقومة بالدولار تشارك بها معظم دول العالم بدءاً من الصين واليابان ودول الخليج وغيرها، ورغم التراجع فإن حصة الدولار كعملة احتياطية ما زالت الطاغية وتتجاوز 75%؜ من الاحتياطات العالمية.

أما النفط، فهو أهم سلعة عالمية تُسعر بالدولار، والذهب أهم سلع التحوط يتم تداوله عالمياً بالدولار أيضاً، كما أن نظام سويفت العالمي للدفع وبقيادة البنوك الأمريكية يجعل الدولار الركيزة في التبادل بين الأمم، ونتيجة لذلك يبقى الدولار الأمريكي العملة الأكثر موثوقية حتى الآن، يمكنك استبدالها والشراء بها في أي مكان في العالم، رغم العديد من التقلبات والتغيرات كصدمة نيكسون في عام 1971م.

نعم تواجه الولايات المتحدة ظروفاً اقتصادية صعبة، ديوناً تجاوزت 30 تريليون دولار، وتضخماً لم تشهد مثيله منذ 40 عاماً، وتراجعاً حاداً في النفوذ، واهتزازاً كبيراً في المصداقية، وأستطيع القول إن هناك أزمة حقيقية في القيادة الأمريكية، ومع ذلك لن يسعى ألدّ أعداء الولايات المتحدة لإسقاط الدولار من مكانته في المدى المنظور، ومن الحكمة بقاؤه قوياً متماسكاً حتى يشتد ساعد الأنظمة الموازية والتعاملات البديلة ويرتفع مستوى الثقة في عملات أخرى وتثبت صلابتها، فاليورو لم يكن صلباً في عدة مناسبات، والصين تُقيّد حرية اليوان، وبقية العملات مرتبطة بشكل أو بآخر مع الدولار.

إن الحديث عن قرب نهاية الدولار، أو حتى تقدير قوته بتعاملات النفط فقط هو تجاهل لعمق هذه العملة الفريدة قوةً وتأثيراً، فالدولار الأمريكي هو جذع الشجرة في النظام الرأسمالي الحالي، وحتى تنمو شجرة بديلة ويقوّم جذعها، فسيبقى النظام العالمي يستظل بظلها إلى أن يشاء الله سبحانه.

أخبار ذات صلة

هل أخطأ جيروم باول؟
العاصفة القادمة في العملات المشفرة