منذ نعومة أظفارنا، ونحن نعلم أن الصلاة بدون وضوء لا تصح، لذلك حرصنا على تعلم سنن الوضوء، وطريقته المثلى.. وعند دخول أوقات الصلاة، نسارع إلى غمر أعضائنا بالماء، وألسنتنا تلهج بالأدعية والاستغفار، طمعاً في فضل الله ورضوانه.
وإن حدث أن رأينا أحدهم لا يحسن الوضوء، نهب لتصحيح أخطائه، حتى وإن لم يطلب منا ذلك، إيماناً منا بأهمية هذا الشرط لقبول الصلاة وتمامها.
هذا الاهتمام الكبير بطهارة الجسد مفهوم.. فالنظافة من الإيمان، والامتثال لأوامر الشرع ضرورة لقبول العبادات.. أياً كان نوعها.. لكن ماذا عن طهارة الروح وسلامة القلب من الداخل؟
يقول جلال الدين الرومي: «توضأ بالمحبة، بدل الماء.. فالصلاة بقلبٍ حاقدٍ لا تجوز».
لا أظن أن أحداً يأخذ هذه المقولة على محمل الفتوى، بقدر ما يأخذها على محمل الحث على تنقية القلب من أدران الضغينة والحقد والكراهية والحسد، وغيرها من أمراض القلوب.. فما فائدة الجسد النظيف، إن كانت الروح ملوثة من الداخل؟
من وجهة نظري، فإن طهارة الروح مقدمة على طهارة الجسد، فالنجاسة المادية ينظفها الماء، لكن الروح إن تلوثت من الداخل، فما السبيل لتنظيفها؟
قبل أيام، همس في ذهني صديق بعد أن فرغنا من صلاة الظهر: «هل صلاتنا مقبولة؟».. فاندهشت من سؤاله وبانت على ملامحي علامات الحيرة، فاستدرك موضحاً: «لا أرتاح للصلاة خلف إمام لا يكف عن غيبة الناس وتتبع عوراتهم!».
سؤال صاحبي خرج من لسانه، لكنه ما يزال عالقاً في ذهني حتى هذه اللحظة، وأعاد إلى ذاكرتي مقولة مولانا جلال الدين، ودفعني للتفكر فيها طويلاً وإسقاطها على الموقف الذي كنا فيه، وهو الصلاة خلف إمام يحرص على وضوء الجسد، لكنه يغفل وضوء الروح.. وتساءلت بيني وبين نفسي: «أيهما أدعى للقبول، صلاة المسلم منفرداً في بيته أم صلاته خلف إمام دأب على الخوض في غيبة الناس، وتتبع عوراتهم؟».
لا أبحث في هذا الصدد عن إجابات جاهزة، بقدر ما أسعى لتعميق نظرتنا للعبادات، لنتجاوز إطارها الحركي المحدود، إلى أبعادها الروحية غير المحدودة.. فالله سبحانه في غنى عن طقوس لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والعبادات التي شرعها، تخفي بين طياتها رسائل ضمنية ترتقي بالإنسان إلى سماوات الإحسان والفضيلة، والمؤمن الحقيقي هو من يعتني بهذه الرسائل ويعطيها حقها من الاهتمام.