رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة، تبعث بها التحركات الدبلوماسية من قبل دول مجلس التعاون، لمختلف القوى الفاعلة على الساحة الدولية. قبل التطرق إلى قراءة مغزى تلك الرسائل لا بد من توصيف المشهد السياسي بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الحرب الروسية - الأوكرانية.
أولاً: الحرب الراهنة طويلة الأمد، ومجرد بداية لمواجهات عسكرية أو غير عسكرية بين روسيا والغرب، بمعنى أكثر وضوحاً، هي مرحلة من مراحل إدارة الصراع بين الكتلتين.
ثانياً: تشهد اللحظة الراهنة إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للتحالفات العالمية، فالدول جميعاً تدرك أنها بين خيارين حتى يتسنى لها العيش في أمان، إما الانطواء تحت راية حلف على غرار الناتو، أو الالتحاق بالدول الأعضاء في النادي النووي.
ماذا يعني هذا للدول الشرق أوسطية، وتحديداً لمنطقة الخليج العربي؟ في اعتقادي هناك 3 محطات رئيسية استوجبت من دول التعاون إعادة النظر في تحالفها مع الإدارة الأمريكية.
المحطة الأولى: تخلي أوباما عن حلفائه من الرؤساء العرب، خاصة الرئيس المصري حسني مبارك عقب 2011.
المحطة الثانية: الدور الأمريكي «الغامض» من قوات التحالف العربي خلال حربها على مليشيات الحوثي في اليمن، وما تبعه من استهداف هذه المليشيات للمدنيين في بعض دول المنطقة.
ثالثاً: الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان، وما أثير حول الاتفاقات السرية مع طالبان قبل الانسحاب. ومنذ 2011 وحتى قبل الحرب الأوكرانية كان يتم التعاطي مع هذه التوترات بصورة غير معلنة، غير أن اندلاع الحرب وضع الجميع أمام لحظة الحقيقة، حيث تسابقت أمريكا والدول الغربية في طرق أبواب المنطقة، من أجل إحداث التوازن في أسواق الطاقة، وهنا كان الموقف الخليجي «المُحايد» من الأزمة.
وهو الموقف الذي اعتبرته أمريكا والغرب انحيازاً لروسيا. فالموقف لم يكن انحيازاً بقدر ما هو رسالة مباشرة وحادة للرؤية الغربية قصيرة النظر التي تختزل منطقة الخليج في «بئر نفط». أعتقد أن هذه النظرة توارت الثرى، لأنه في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية لن تقبل الدول الخليجية بـ«أنصاف التحالفات» سواء مع أمريكا أو غيرها «إما حلفاء أو لا حلفاء».
الجميع يعلمون بأن هذه الحرب مثلما تعيد رسم الخرائط بين الدول، فإنها أيضاً ستعيد تشكيل العلاقات أو التحالفات العالمية، وفي القلب منها منطقة الخليج العربي. فإذا كانت أمريكا ترى أن منطقة الخليج لا ترتقي إلى درجة «الحلفاء»، فإنه من حق دول التعاون البحث عن حلفائها الحقيقيين.
الأمر هذه المرة جد خطير، والتحركات الدبلوماسية الخليجية مع القوى الفاعلة على الخريطة بعيداً عن المعسكر الغربي، لا تقارن بأي تحركات سابقة. والدليل على ذلك أن الدول الخليجية لم تتحرج في استباق قمة بايدن مع دول المنطقة في الرياض نهاية يونيو الجاري، بقمة خليجية روسية على مستوى وزراء الخارجية. أو أن تعمق من مستوى شراكتها مع الصين وغيرها من الدول الأخرى.