بتوقيع اتفاقية الشراكة الصناعية التكاملية بين الإمارات ومصر والأردن، بالأمس، تكون الدول العربية الثلاث قد سطرت صفحة جديدة في دفتر العمل العربي المشترك في مجال تعزيز العلاقات الاقتصادية، وبصورة أدق في مجال التكامل الصناعي، بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين باقي الدول العربية، انطلاقاً من اتفاقية الأمس بين أبوظبي والقاهرة وعمان، ووصولاً إلى أن تشمل الاتفاقية باقي العواصم العربية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وفي إطار التكتل العربي الجديد الذي يعود بالخير على الشعوب العربية.
الشراكة الثلاثية هي النواة والقاعدة الصلبة والخطوة الرائدة لاستكمال البناء العربي في ظل التغيرات التي يشهدها العالم، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، فان هذه التغيرات تستدعي تعميق الشراكات الاقتصادية بين دول المنطقة العربية وابتكار صيغ جديدة للتعاون فيما بينها وتعزيز تكاملها واستثمار الميزات النوعية لكل دولة، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتقوية الاستجابة للتحديات المشتركة والأزمات العالمية وتوسيع الاعتماد على الذات، خاصة في القطاعات الحيوية ذات الصلة بالأمن الوطني مثل الغذاء والصحة والطاقة والصناعة وغيرها.
وتأتي الشراكة الصناعية التكاملية للتنمية المستدامة استمراراً وتعزيزاً للعلاقات الأخوية بين الدول الثلاث، وتعد فرصة لها لمواصلة استكشاف فرص الشراكة والاستثمار المشترك في المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، وتشمل خمسة قطاعات صناعية مشتركة بين هذه الدول الثلاث من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي وتكامل سلاسل القيمة بين الإمارات ومصر والأردن، والاستفادة من المزايا الرئيسية للصناعات في هذه الدول وأولوياتها وتطوير المجالات الصناعية المؤهلة للتكامل، بما يؤدي إلى تعزيز التعاون وتطوير القدرة التنافسية في القطاعات الرئيسية، خاصة في ظل سجل حافل من الاتفاقيات بين الدول الثلاث.
ويكفي لنجاح هذه الاتفاقية - كما قال الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة - أن إجمالي الناتج المحلي للإمارات ومصر والأردن يبلغ حوالي 765 مليار دولار، وتمتلك طاقات شابة بأكثر من 60 مليون نسمة، كما أنه في عام 2019، كانت مساهمة صناعة البتروكيماويات في الناتج المحلي في الأردن والإمارات ومصر مجتمعة 16 مليار دولار، ما يتيح فرصاً واعدة لتنمية هذا القطاع والصناعات المرتبطة به تقدر قيمتها بأكثر من 21 مليار دولار.
وأكد الجابر أن الشراكة الطموحة بين الإمارات ومصر والأردن ستؤدي إلى إتاحة فرص صناعية ذات قيمة اقتصادية مضافة تقدر بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى تطوير المزيد من المشاريع الصناعية المشتركة في المستقبل.
معلناً عن تأسيس صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها، تماشياً مع توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وترجمة لرؤية سموه، التي تركز على بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد تسهم في تعزيز الاستقرار ودعم النمو والتقدم وتحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
النظر إلى اتفاقية الشراكة الصناعية بين الإمارات ومصر والأردن من منظور اقتصادي فقط قد يكون سليماً لأنه سيقدم نموذجاً جديداً للتكامل والتعاون والتنسيق وللشراكات النوعية مع الأشقاء في العالم العربي والأصدقاء في كافة أنحاء العالم، فالقطاع الصناعي يعد عنصراً أساسياً للنمو في ظل الإمكانات التي تمتلكها الدول في هذا المجال.
لكن هناك بعد آخر يفتح المجال لخبراء السياسة لتحليل مضمون الاتفاقية والرسائل التي تحويها وما تنطوي عليه في ظل عالم يشهد إرهاصات تحولات وتشكيلات سياسية واقتصادية جديدة، والصدمات التي تلقاها الاقتصاد العالمي جراء وباء كورونا ثم اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومعاناة العالم من أزمة غذائية طاحنة.
كما أن دولة الإمارات تدخل مرحلة جديدة، في ظل قيادة استثنائية تستشرف المستقبل وتركز جهودها على تعزيز الأمن والأمان والسلم والاستقرار، باعتبارها ممكنات أساسية للنمو والإزهار الذي يخدم الإنسان، في الإمارات، والمنطقة، والعالم أجمع.
الاتفاقية الثلاثية هي مبادرة حقيقية للتعاون العربي المشترك ونموذج ملهم لتحويل الظروف الجيوسياسية إلى منحة للشعوب العربية.