تحظى الزيارات المتبادلة بين الإمارات وتركيا، خاصة في خضم الأحداث الراهنة بأهمية قصوى، لما لها من دلالات عربية وإقليمية، لذا حظيت زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، الجمعة، إلى أنقرة تلبية لدعوة نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، باستحسان كبير داخل الأوساط التركية، إذ يعول كثيرون على دور فاعل للإمارات في تقريب وجهات النظر العربية - التركية، في ظل التحولات الإقليمية التي تتطلب الدفع في اتجاه القفز على «الحواجز الاصطناعية» نحو التكامل العربي - التركي.خبراء أكدوا لـ«الرؤية» ضرورة تكاتف دول المنطقة لمواجهة تهديدات الأمن الغذائي الذي بات مهدداً لكافة الدول والشعوب، ولفتوا إلى وجود رغبة متزايدة بين أنقرة وأبوظبي في تطوير التقارب إلى تعاون على المستوى الإقليمي، خاصة أن البلدين يتمتعان بنفوذ بارز في قضايا إقليمية عديدة لذا فإن التعاون بينهما يدفع باتجاه الاستقرار الإقليمي.
الأكاديمي والباحث السياسي التركي، دكتور مهند حافظ أوغلو، يرى أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى أنقرة، لها انعكاسات إيجابية كبيرة في الداخل التركي، لا سيما أنها جاءت في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، لافتاً إلى أنها تبعث برسائل طمأنة للمواطن التركي على مستقبل بلاده مفادها أن قيادته تسير في الطريق الصحيح.
مستقبل واعد
وأضاف أوغلو أن الزيارة تمثل مستقبلاً واعداً وفق خطوات بدأ السير بها بالفعل، مشيراً إلى أن وصف سمو الشيخ عبدالله بن زايد العلاقات التركية الإماراتية بالزخم يوضح عمق التعاون الحالي والقادم بين الجانبين، وتابع: بدأت العلاقات تنتقل إلى مرحلة التعاون والمضي قدماً نحو مستقبل يتطلع إليه الطرفان، مدللاً على ذلك بالدعوات المتبادلة للزيارة بين البلدين، التي عادة ما تلقى قبول الطرفين، ما يؤكد أن البلدين بصدد تعميق العلاقات الثنائية خاصة في ظل المتغيرات الدولية التي تفرض نفسها في العلاقات الدولية. الأمن الغذائي بدوره كان حاضراً بقوة خلال مناقشات وزيري خارجية الدولتين، علاوة على ملفات أخرى (تجارية، أمنية، عسكرية، وسياسية)، بحسب أوغلو، مشيراً إلى أهمية تكاتف دول المنطقة، لا سيما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتبعات تلك الحرب على الأمن الغذائي الذي بات مهدداً لكافة الدول والشعوب، نتيجة تعنت روسيا من جهة أو لأهداف سياسية غربية من جهة أخرى، منوهاً إلى وجود «حظ كبير» للتعاون في مجال الطاقة بين الجانبين، الأمر الذي ظهر في تصريحات وزير الخارجية الإماراتي التي تتعلق بوجود شراكة طويلة المدى بعيدة التأثير بين الدولتين. ولفت السياسي التركي، إلى أن تأكيد الوزير جاويش أوغلو سعي أنقرة لتحسين العلاقات مع الرياض والقاهرة يكمل هذا التوجه التركي الرامي لتوثيق وفتح آفاق التعاون مع المحيط العربي، فالتاريخ أثبت أنه كلما زاد التقارب بين العرب والأتراك كان القادم أفضل.
زخم إيجابي
من جانبه قال الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، إن زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد، إلى تركيا تكتسب أهمية على أكثر من صعيد، فهي تعكس الزخم الإيجابي الذي تسلكه العلاقات التركية- الإماراتية منذ إصلاح العلاقات بين البلدين، ومن جانب آخر، تندرج في إطار التحولات الواسعة التي تشهدها المنطقة منذ أشهر، وتحديداً على صعيد العلاقات التركية -العربية، وأضاف «علوش» أنه على المستوى الثنائي، يرغب الجانبان في تفعيل التفاهمات المبرمة بينهما مؤخراً حول التعاون الاقتصادي والتجاري، في ظل التحديات الكبيرة التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب أزمة كورونا على الاقتصادات العالمية بأسرها، لذا فإن تفعيل هذا التعاون بين البلدين يساعدهما في الحد من التداعيات على اقتصاديهما، منوهاً بأن وجود رغبة متزايدة بين أنقرة وأبوظبي في تطوير التقارب إلى تعاون على المستوى الإقليمي، خاصة أن البلدين يتمتعان بتأثير كبير في قضايا إقليمية عديدة، لذا فإن أي تعاون بينهما من شأنه أن يدفع باتجاه الاستقرار الإقليمي. ويرى أنه على المستوى الإقليمي، ساهم التقارب التركي- الإماراتي في تهيئة الأجواء لإصلاح العلاقات بين أنقرة والرياض، الأمر الذي يمكن تكراره خلال دفع عملية إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، خاصة في ظل العلاقات الجيدة بين أبوظبي وكل من القاهرة وأنقرة، بما يؤهلها لاستغلال تلك الميزة من أجل المساعدة في دفع مساعي إنهاء القطيعة الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة، لافتاً إلى أن أنقرة تعول على دور الإمارات في هذا الشأن.
إقرأ أيضاً..عبدالله بن زايد من أنقرة: نأمل تعزيز الجهود المشتركة لمضاعفة التجارةوأشار محمود علوش، إلى أن تقاطع هذه الزيارة مع التلويح التركي بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا يكتسب أهمية بالغة، بالنظر إلى العلاقة التي تقيمها أبوظبي مع دمشق، فإنه بمقدورها توظيف ذلك للمساعدة في فتح حوار سياسي بين أنقرة ودمشق، مشيراً إلى أن التحولات التي طرأت على المنطقة في العام الأخير واتجاه واشنطن لتقليص انخراطها في قضايا المنطقة يسلطان الضوء على أهمية العلاقات الجديدة بين تركيا والقوى العربية الرئيسية، كوسيلة تحوط لإدارة أي فراغ ينجم عن التراجع الأمريكي، لا سيما في ظل تبلور هيكل إقليمي جديد في المنطقة ودول الخليج يدفع باتجاه إشراك تركيا لما لها من ثقل إقليمي.