لا تختلف كثيراً متطلبات الكتابة في الشؤون الاقتصادية عن متطلبات بقية الكتابات في الشؤون المختلفة، إذا توافرت شروط الإلمام بالموضوع وامتلاك الكاتب أدوات الذكاء الكتابي، فالكتابة الاقتصادية تعتمد على العقلية الاقتصادية التي تكون موجودة لدى البعض بصرف النظر عن اختصاصهم الأكاديمي، تماماً كما هو حال بعض التجار ورجال الأعمال الذين لا يحملون شهادات في الاقتصاد، لا سيما أن الكتابة الاقتصادية ليست كالكتابة في الطب والفضاء أو القانون وغيرها من المجالات التخصصية المعقدة التي تعتمد على العلوم الأكاديمية دون أن نغفل أن لكل قاعدة شواذها.
وقد يعتقد البعض بأننا ننتقص من دور الدراسة الأكاديمية التخصصية في الكتابة الاقتصادية، ولكن على النقيض فنحن نعي بأن هناك كتابات بحاجة لفنيات اقتصادية لا يمكن أن يخطها إلا قلم الأكاديمي المختص في علم الإحصاء والتدقيقات الحسابية والحسابات التحليلية وإدارة الأموال والملمين بالمصطلحات الاقتصادية.
إن الكتابة الاقتصادية تعتمد على هوس وميول الكاتب وتمتعه بعقلية تحليلية للأمور وملكاته في استشراف المستقبل، والقدرة على ربط الأحداث السياسية والاجتماعية والتقنية وغيرها من المؤثرات الطبيعية والتطورات الحياتية على الاقتصاد، فلهذا قد تساهم المقالة الاقتصادية في بلورة فكرة اقتصادية يستفيد منها الآخرون، أو تسليط الضوء على سلبيات وإيجابيات الموضوع الاقتصادي المختار، أو تحمل منفعة للقارئ وتثقيفه اقتصادياً.
وإذا اتفقنا أن كلاً من الكاتب الاقتصادي والتاجر ورجل الأعمال تجمعهم العقلية التجارية فإن المقالة الاقتصادية يُستحسن ألا تخرج عن إطار الخصائص التجارية، فكما أن التاجر عندما يتعرض للأزمات يبتكر الحلول، فكذلك كاتب المقالة الاقتصادية عليه ألا يكون تقليدياً في طرحه، إذ يتوجب عليه أن يبتكر الحلول والمقترحات إذا تناول الأزمات الاقتصادية، وألا تكون مقالته مجرد عرض تصويري للمشكلة تزيد من حيرة القارئ دون وجود تحليل للأسباب المؤدية للمشكلة أو طرق الخروج منها أو حتى استشراف المستقبل.
وأحياناً يُظلم بعض كتّاب الاقتصاد عندما يضطرون للجوء إلى استعراض لغة الأرقام التي لا تكون مقبولة بما يكفي عند من يعانون عقدة الرياضيات، فيحكمون سلباً على المقالة التي في حقيقتها مقالة مكتملة الفكرة والأركان، ولا ننكر أن هناك مقالات تحمل عناوين اقتصادية، ولكن مضمونها شيء آخر، ككاتب يكتب عن أثر العملية التعليمية على الاقتصاد، ولكن ما أن تنتهي من قراءة المقالة تجد أن حصيلة معرفتك التعليمية زادت، بينما ما سمعته من جعجعة العنوان الاقتصادي لم ترَ له طحيناً في مضمون المقالة.