استحوذ ملف التعليم على اهتمام الشارع في اليومين الأخيرين، ذلك للتغيير الهيكلي الذي أعلنته الحكومة وتعيين وزير جديد للتربية والتعليم، تعاونه وزيرتا دولة في ملفي التعليم العام والتكنولوجيا المتقدمة.. والتعليم المبكر، ولا مجاملة حينما نقول إن جميع الوزراء الجدد هم أصحاب علم رفيع وكفاءة عالية.
لعل تعيين 3 وزراء للقطاع دفعة واحدة فيه إقرار بأهمية الملف، وفي نفس الوقت عدم وصول قطاع التعليم المدرسي الحكومي للهدف المنشود، فهو القطاع الذي ساهم في محو الأمية بفترة قياسية عند قيام الدولة، وأسس حينها القاعدة الأكاديمية الصلبة التي انطلقت منها معظم الموجة الثانية من قيادات الدولة، واحتضن عدداً كبيراً من المدرسين المواطنين، لكن شيئاً ما تغير في العقود الأخيرة.
قد يرمي البعض لأن التعليم المدرسي الحكومي تخلف عن الركب، لكني أرى إجحافاً في ذلك، التحدي الذي يواجهه هذا التعليم في تقديري هو أنه بقي ثابتاً، ولم يواكب الطفرة النوعية التي طرأت على قطاع التعليم المدرسي الخاص، الذي بدوره وجد موطئ قدم وسد الفجوة وماثل أفضل ما هو متاح في العالم، لست متيقناً.. لكني أكاد أجزم أن جميع الوزراء الجدد هم خريجو مدارس خاصة.
لن تكون هناك حلول سهلة أمام الفريق الوزاري المكلف، فالنهوض بالقطاع يحتاج للتفكير خارج الصندوق، قد تكون بدايتها إعادة النظر في المناهج الحكومية، التي أكل الدهر عليها وشرب ولم تماثل المناهج الأمريكية أو البريطانية أو البكالوريا الدولية في كفاءتها وفاعليتها، ولذا نشهد معاناة طلبة المدارس الحكومية عند تقدمهم للالتحاق بالجامعات بعد تخرجهم.
من السهل أيضاً إجراء مقارنات مع دول أخرى مشهود بكفاءة منظومتها المدرسية العامة، منها سنغافورة على سبيل المثال التي يوجد بها أكثر من 250 مدرسة حكومية مقابل أكثر من 40 مدرسة خاصة فقط، لكن معطياتنا مختلفة.. أولها تركيبتنا السكانية، لماذا نتوسع كثيراً في شبكة المدارس الحكومية ونحن لا نشكل سوى 11% من تعداد السكان؟
كما أن هناك تجارب عالمية أثبتت أن القطاع الخاص قد يكون أعلى كفاءة في إدارة مرافق التعليم العامة، منها مشروع إديسون الذي انطلق في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات، وأدار مدارس حكومية وبلدية في عدد من الولايات، فهل من الأجدى تركيز الوزارة على التشريع والتنظيم والرقابة.. وتعهيد إدارة المدارس للقطاع الخاص؟
ما سبق وغيرها أسئلة مشروعة، والثابت هو أننا نثمن رحلتنا التنموية في 5 عقود مضت إلا أننا أكثر طموحاً في خمسينيتنا الثانية، ولن يكون ذلك دون منظومة تعليمية مميزة قادرة على تجهيز أجيالنا القادمة للبناء على ما تم وأخذنا إلى أفق أرحب.