منذ أن اندلع وباء كورونا في عام 2020 واستمرار ظهور متحوّراته حتى الآن، استنفرت الحكومات والدول الكبرى لإيجاد دواء أو لقاح لمكافحة الجائحة التي تسببت بإغلاق عام بكافة أنحاء العالم، ما أدى إلى هزات اقتصادية لا يزال يعاني حتى الآن منها ويكافح للتعافي من آثار الوباء.
وما إن بدأت شركات الأدوية العالمية، كفايزر وموديرنا وسينوفارم وغيرها بعرض نتائج دراسات اللقاحات الخاصة بها، واعتمادها من قبل منظمة الصحة العالمية، حتى بدأت حملات التلقيح في البلدان وانحسرت الإصابات وعادت الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى.
وفي هذا السياق وتفادياً لظهور أي متحور جديد من كوفيد-19، أو أي فيروس تاجي آخر أو حتى أي وباء منحدر من أي سلاسة فيروسية أخرى، اقترحت الدول الكبرى الرائدة في مجال تصنيع الأدوية، توفير الأدوية واللقاحات، حتى معدّات الاختبار وتشخيص الأمراض للدول الفقيرة مقابل رسوم وعدم فرض الحكومات لأي قيود على تجارة الأدوية وذلك استعداداً للوباء القادم.
وفي الوقت الذي تستعد فيه منظمة الصحة العالمية لإجراء المحادثات حول الاستعداد للوباء القادم خلال الأسبوع المقبل، وذلك بالتزامن مع انتشار مرض جدري القرود في عدد من الدول، تضغط كبرى الشركات المصنعة للأدوية للحصول على حصة من أموال صندوق مواجهة الأوبئة التابع لمجموعة العشرين والذي تُقدر قيمته بمليارات الدولارات.
ويجادل الاتحاد الدولي لجمعيات ومنتجِي الأدوية IFPMA، بأن الاتفاق على الآلية المذكورة ستسهل من التوزيع السريع للإمدادات الطبية على الدول منخفضة أو متوسطة الدخل في حال ظهور متغير جديد لكوفيد-19، أو ظهور وباء جديد، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز.
وفي نفس الوقت تواجه الآلية رفض شديد من قبل منتقدي شركات الأدوية، الذين يرون أن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات ستمكن الدول الأخرى من التصنيع، وهي وسيلة أفضل لضمان المساواة في الوصول إلى اللقاحات والعلاجات والتشخيص في العالم النامي.
وانتقدت بعض مجموعات المجتمع المدني كل من شركة موديرنا Moderna، وفايزر Pfizer، وبايونتك BioNTech، وجميعها شركات قامت بتصنيع لقاحات فعالة مضادة لفيروس كورونا قائمة على تقنية الـ RNA، وذلك لقيامها بتوقيع اتفاقيات التوريد مع الدول الغنية قبل مبادرة كوفاكس المسؤولة عن تزويد البلدان النامية باللقاحات.
وقالت منظمة Public Citizen هي مجموعة ومؤسسة فكرية تدافع عن حقوق المستهلك غير هادفة للربح، مقرها واشنطن، إن اقتراح IFPMA سيوفر دعماً لشركات الأدوية القائمة، ويضرُّ بالجهود المبذولة لإضفاء الطابع الديمقراطي والمساواة في تصنيع وتوزيع اللقاحات من خلال تأسيس المصانع ونقل عمليات الإنتاج لأفريقيا ومشاركة الملكية الفكرية.
وينصّ مقترح IFPMA بحسب وثيقة اطّلعت عليها الفايننشال تايمز، أن المقترح لن ينجح إلا في حال التزام الدول الغنية بالسماح بالتجارة بدون قيود خلال أي أزمة مستقبلية، وتحييد قومية اللقاح وإلغاء جميع قيود حظر التصدير.
أزمات سابقة
في عام 2021، أوقفت الهند تصدير اللقاحات لمدة خمسة أشهر وسط موجة كبيرة من عدوى كوفيد-19 ضربت البلاد، وقامت الولايات المتحدة بإطلاق التهديدات لإجبار شركات الأدوية الخاصة على الوفاء بالعقود المحلية والتسليم قبل الطلبات الأخرى، كما فرض الاتحاد الأوروبي ضوابط على الصادرات في ذروة الوباء.
وجاء في الوثيقة التي تدعو الحكومات إلى دعم الطلب المتزايد للقاحات خلال فترات الأوبئة في البلدان المحرومة، أن القيود التي فرضت خلال انتشار كوفيد-19، قوّضت القدرة على تصنيع وتقديم اللقاحات والعلاجات بشكل عادل.
وقال توماس كويني المدير العام لاتحاد الدولي لجمعيات ومنتجي الأدوية (IFPMA): "عندما واجهنا مطبات ونقاط ضعف في إيصال اللقاحات للدول الفقيرة إما بسبب حظر التصدير، أو التأخير في التطوير أو تحديات توسيع الإنتاج، فإن الشركات التي كانت تمتلك اللقاحات الأكثر فاعلية كانت تعاني ضغط شديد من قبل الدول الغنية".
وأضاف: «استعداد شركات الأدوية المبتكرة لتخصيص جزء من إنتاجها مقدماً للفئات السكانية الفقيرة بناءً على تقييم السلطات الصحية أثناء الأوبئة سيكون بمثابة تغيير حقيقي لقواعد اللعبة».
ويأتي طلب IFPMA في الوقت الذي يجتمع فيه صناع القرار في جمعية الصحة العالمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية الأحد لمناقشة كيفية تعزيز الوقاية من الوباء والتأهُّب والاستجابة والتعلُّم من الأخطاء التي ارتُكِبت في التصدي لكوفيد-19، ومن ضمن ذلك مناقشة الجهود المبذولة ضمن دول مجموعة العشرين، والتي نتج عنها إنشاء صندوق للتأهب المسبق للأوبئة والأمن الصحي العالمي بإدارة البنك الدولي، والذي يهدف إلى صرف ما يصل إلى 10 مليارات دولا سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة لتعزيز قدرة الأنظمة الصحية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وحتى الآن تمّ التعهد بتقديم مليار دولار فقط للصندوق، الأمر الذي أثار مخاوف من أن التضرر الاقتصادي من الوباء وغيره من الأزمات الجيوسياسية كالحرب الأوكرانية قد يضعف عزم الحكومات على تمويل التأهب المسبق للأوبئة.
ولاقى اقتراح IFPMA استحسان تحالف ابتكارات التأهب الوبائي Cepi، والذي أعرب عن قلقة من أن العالم لا يزال غير مستعد لمواجه المتحوّر التالي لكوفيد-19 أو جائحة أخرى.
وقال الدكتور ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي لتحالف Cepi، إن حجز اللقاحات للدول ذات الدخل المنخفض يمكن أن يساعد في معالجة المشكلة التي واجهتها منظمة كوفاكس Covax في الأيام الأولى للوباء عندما لم تكن قادرة على توقيع اتفاقيات شراء متقدمة للقاحات بسبب عدم توفر الأموال.
قال هاتشيت إنه سيكون من الأفضل أن يكون هناك توزيع أكثر إنصافاً لتصنيع الأدوية عبر الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، إلا أن الاقتراح لا يزال حلاً مؤقتاً حتى يتم العمل به.