تجد البشرية نفسها اليوم في حيرة من أمرها، ليس فقط لعدم تمكُّنِها من الحصول على إجابات حول أسئلة المصير رغم التطور الحاصل، وإنما أيضاً بتراكم أزمات، معظمها يؤدي -في حال العجز عن إيجاد حلول مستعجلة له- إلى ضحايا كُثْر.
ذلك التراكم -الظَّاهر والخفي- يذهب البعض إلى اعتباره دخولاً قسريّاً في مرحلة الفناء، كما يُشير لذلك كثيرٌ من التفسيرات، خاصة من أصحاب الرؤى الدينية سواء أكانت نازلة من السماء أو صاعدة من الأرض.
واستناداً لما سبق، فنحن اليوم نعيش أزمة قديمة- جديدة على المستوى الصحي، تخص ظهور إصابات بـ«جدري القردة» (أو جدري القوارض) في بعض دول العالم، علماً بأن حالات الإصابة بهذا المرض سجلت في 11 دولة أفريقية منذ عام 1970.
اليوم، يتخطَّى المرض جغرافية نشأته الأولى كما هي عادة كل الأوبئة، ويعود من جديد، ليحل في أوروبا، مسجلاً في السابع من مايو الجاري أول حالة مؤكدة للمرض فيها، وتحديداً في بريطانيا.
من ناحية أخرى فقد تمَّ تأكيد أو الاشتباه بأكثر من 100 إصابة في دول بالقارة العجوز، من بينها ألمانيا، التي وصفته بأنه أكبر تفشًّ للمرض في أوروبا إلى الآن، وذلك بعد أن طال خمس دول أوروبية على الأقل هي: بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا وإيطاليا، وخارج أوروبا ظهر في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
الأزمة الصحية التي يواجهها العالم لا تزال في بدايتها، لكنها قابلة للتوسع لتشمل كل دول العالم، خاصة أنها تتزامن مع تراجع ملحوظ لفيروس كورونا، ومع تقدم نحو حرب شاملة عالمية تلوح في الأفق، لا يشترط أن تكون عسكرية فقط كما هي اليوم في أوكرانيا، وإنما ستشمل مجالات أخرى مثل: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الصحة.. إلخ.
كما يحتمل أن تكون جرثومية، وهو ما جاء ذكره في بعض التقارير الإعلامية بخصوص اتهام روسيا باستخدام «الجراثيم» ضد أوروبا في حربها الراهنة، علماً بأن الاهتمام بتفشِّي جدري القردة أصبح من المهام العسكرية للدول، لأنه يتعلق بأمنها الوطني، فعلى سبيل المثال فإن الجهاز الطبي في القوات المسلحة الألمانية هو الذي رصد الحالة الأولى في بلاده يوم الجمعة الماضي (20 مايو الجاري).
دول العالم تسعى لمواجهة المرض، في وقت تتأهب أسهم شركات الأدوية لانتعاشة مرتقبة نتيجة البحث عن تطوير للقاح الإصابة بفيروس جدري القرود، وهي بذلك ستزيد من أرباحها، وتفرض سلطة دولها، وتوسع من دائرة الخوف، وتكرس سؤالاً يراودنا كلما واجهنا أزمة جديدة، نصّه: أي مصير سنواجهه في المستقبل المنظور؟