«إذا أردتم أن تشاهدوا سمكة تسير على قدمين، وفرس نهر يركب الأمواج ومخلوقات لا توجد في أي مكان آخر في العالم، انضموا إليَّ في هذا الاحتفال بأعظم المحميات الوطنية في كوكبنا.. في رحلة عبر عجائب الطبيعة التي تشاركنا مسقط رأسنا..» هكذا يقول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بصوته الرخيم، المريح الواثق، في بداية سلسلة من الأفلام الوثائقية بعنوان «محمياتنا الوطنية العظيمة» Our Great National Parks التي يقوم أوباما بدور المقدم والمعلق الوحيد عليها، في أداء يذكر بكبار نجوم التمثيل الذين اشتهروا كمعلقين مثل مورجان فريمان وديفيد أتينبورو وجيمس إيرل جونز!
السلسلة الوثائقية التي بدأت في بثها منصة «نتفليكس» منذ منتصف أبريل الماضي هي واحدة من أفضل الوثائقيات العلمية التي تدور حول الطبيعة والبيئة، ومن أكثرها إمتاعاً وإبهاراً في المشاهدة.
تتكون السلسلة من خمس حلقات فقط، مدة كل منها أقل من ساعة، ولكن من الواضح أن كل دقيقة منها وراءها عشرات الساعات من الإعداد والتصوير والمونتاج وكتابة التعليق المناسب.
إنتاج ضخم وجهد خارق
السلسلة هي ثمرة جهد وإنتاج مشترك بين المنتج المنفذ جيمس هانيبورن (الحاصل على جوائز «إيمي» و«بافتا» عن فيلمه الوثائقي «كوكبنا الأزرق 2») والمنتجة صوفي تود من خلال شركة إنتاج «وايلد سبيس» بالتعاون مع شركة إنتاج «هاير جراوند» التي يملكها الرئيس أوباما وزوجته ميشيل مع شركة إنتاج «فريبورن ميديا»، تحت مظلة «نتفليكس». وقد استغرقت عملية إنتاج المسلسل نحو أربع سنوات، 1500 يوم تصوير في 33 موقعاً في 10 بلاد في خمس قارات، وتمت الاستعانة بمسؤولين ومرشدين وعلماء من أكثر من 80 مؤسسة وجمعية أهلية عبر العالم!
كل هذا الوقت والجهد يظهران بوضوح في السلسلة، والنتيجة أن مشاهدة الحلقات تكاد تكون تجربة مدهشة، حتى بالنسبة لعشاق مشاهدة الأفلام العلمية. من ناحية بفضل الكاميرات المتطورة للغاية التي تلتقط أدق تفاصيل الطبيعة وكائناتها من مختلف الزوايا على مدار الساعة، وبفضل السيناريو أو البناء شبه «الدرامي» للمواد المصورة، ثم تعليق أوباما الحميم المفعم بالحماس.
أوباما والبيئة
ظهور باراك أوباما في هذه السلسلة لا يعتبر مفاجأة لمن يعرفون علاقته القديمة والممتدة بالمحميات الطبيعية والبيئة، فمن المعروف أن باراك أوباما ساهم عندما كان رئيساً للولايات المتحدة (من 2009 إلى 2017) في تأسيس وتوفير الحماية لمساحات تصل إلى 550 مليون فدان من المحميات الطبيعية في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من أي رئيس آخر في تاريخ أمريكا، وربما العالم.
وأوباما ليس مجرد معلق على الفيلم، أو مشارك في إنتاجه، ولكنه شريك في صناعته منذ أن كان مشروعاً على الورق، فقد قام المنتجان هانيبورن وتود بالتواصل معه من البداية لاختيار المحميات التي يجرى تصويرها، وتم انتقاء مواقع لأوباما علاقة شخصية بها، بجانب أن يكون لكل محمية قصة وخصوصية مميزة، وأن تكون مختلفة نوعياً ما بين غابات وصحراء وجبال وأرض زراعية ومحيطات، وفي النهاية تم الاتفاق على عشر محميات فقط من بين أكثر من أربعة آلاف محمية حول العالم، وهي: محمية «لوانجو» في الجابون، «تسينجي دي باراماها» في مدغشقر، «ياكوشيما» في اليابان، «مانويل أنطونيو» في كوستا ريكا، «كاكادو» و«ذا جريت بارير ريف» في أستراليا، «فولكانوز» في رواندا، «باتاجونيا» في شيلي، «جينونج لويسر» في إندونيسيا و«سافو» في كينيا.
الاحتباس الحراري
من هاواي حيث ولد باراك أوباما وقضى طفولته الأولى، يروي أوباما أن أمه عندما كانت حبلى به كانت تأتي لتجلس كثيراً على شاطئ المحيط، وأنها كانت تمزح قائلة إن ذلك سبب هدوئه.. إلى أفراس النهر التي تمارس رياضة ركوب الأمواج، إلى قرود «الليمو» في مدغشقر التي تقفز مسافات هائلة بين صخور مدببة كالسكين بحثاً عن النباتات المختفية في موسم الجفاف، من بين عشرات المشاهد الأخرى الأخاذة، يتنقل الفيلم من قارة إلى أخرى، ومن مملكة الحيوان إلى النباتات وحياة البحار ليبين الكيفية التي تتوازن بها الطبيعة، والتي يمكن أن يؤدي الإخلال بها إلى كوارث ودمار، حتى لو كانت السماح بانقراض حيوان واحد مثل «الكسلان» أو فرس النهر!
وكما يقول أوباما في مقطع من الفيلم حول ما جرى من تدمير للبيئة وضرورة أن نتصدى له:
«نحن أول جيل يشعر بتأثير الاحتباس الحراري وآخر جيل يمكنه عمل شيء لمقاومته»!