أحياناً يتعبنا كل شيء حتى الشيء الذي يريحنا، وأحياناً يريحنا أي شيء حتى الشيء الذي يتعبنا، وأحياناً.. وأحياناً وفي جميع الأحوال إن خذلتك محكمة الأرض ثق في محكمة السماء، فالعدالة في الدنيا ليست كالعدالة في الآخرة، أليس كذلك؟
وقف ضد إجراءات التقشف التي فرضتها الحكومة وانضم إلى الاحتجاجات الشعبية، ونادى بمحاربة الفاشية والنازية، وطالب بالشعور بالحرية، حتى أنه شغل منصب وزير في حكومة يمينية، كما عارض بشدة الصفقة التي دارت حول اسم جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية، والتي أصبحت تعرف حالياً باسم مقدونيا الشمالية، وبالتالي كانت أغلب ألحان (ميكيس ثيودوراكيس) سياسية للغاية، وقد سُجن مراراً وتكراراً بسبب إيمانه بهذه الغاية، ولكنه حافظ على شموخه بكل معاني العزة والأنفة، ولعلهم لذلك أرسلوه في وقت ما إلى المنفى! فقد لحن وفقاً لما يقال، قصيدةً لأحد الناجين من معسكرات الاعتقال.
اكتشف (ميكيس ثيودوراكيس) الموسيقى الشعبية اليونانية، وبها أعاد النبض إلى الأنغام التقليدية، ولا بأس إن قلنا الثورية، حيث أدت إلى اندلاع ثورة ثقافية، لا تزال آثارها إلى اليوم بادية ومرئية، ولا يمكن أن ينسى العالم الموسيقى التصويرية ولا جمال تلك الأغاني، التي ألفها من بواطن روحه في سبيل فيلم (زوربا اليوناني)، وتحكي أحداث القصة عن كاتب إنجليزي يعيش مشتتاً في جزيرة، ولكن تتغير وتنقلب حياته إلى كل خيرة، عندما يلتقي بفلاحٍ لطيف وودود يدعى «زوربا»، وتنشأ بينهم علاقة أخوة وصداقة ومحبة، ولا أظن أو أشك ولو حتى لدقيقة، أن أحداً على كوكب الأرض لم يسمع بهذه الموسيقى، فقد فاز هذا الفيلم بثلاث جوائز أوسكار، ولم يترك للناقدين أي حرية في الاختيار، لأنها بكل ببساطة أشهر قطعة موسيقية يونانية عرفها الزمن، حيث لا تزال بيننا مسموعة بعد أكثر من نصف قرن.