معظمنا نحن- الناس العاديين- لا نفهم كيف يعمل التضخم؟ وأغلبنا لا يستطيع أن يُكوِّنَ رابطاً ذهنياً بين أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية وإدارة التضخم، لكننا نحس به ويبرز عن غيره من مشكلات حياتنا بأن لا مفر منه. لو أخذْتَ البطالة- وهي ظاهرة اقتصادية أخرى- ستجد أنها لا تصيب الجميع؛ فهناك من يحصل على وظيفة أو عمل، في حين أن التضخم لا يستثني أحداً. نشعر به عندما نذهب إلى المتاجر أو نقف على محطة الوقود.
التضخم ظاهرة اقتصادية تحدث حين تزداد قيمة السلع والخدمات بمرور الوقت. هل سمعت أحدهم يتحدث عن أسعار قنينة البيبسي في الماضي عندما كانت بـ25 فلساً؟ السبب الذي جعل نفس القنينة الآن بـ3.5 درهم هو التضخم. إنه زيادة كلفة المعيشة.
التضخم هو ظاهرة اقتصادية حتمية في النُّظم الاقتصادية الرأسمالية الحرة التي تعمل من خلال الملكية الفردية للأصول، لكن تسارعها هو المشكلة الحقيقية، أما مسبباتها فتشرحها نظريات كلاسيكية أربع.
الأولى روّج لها ديفيد هيوم في القرن الـ18، وتقول إن الأسعار ترتفع إذا زاد المعروض من النقد. ميلتون فريدمان صقل نفس النظرية في منتصف القرن الـ20، قائلاً: «إن التحكم بالتضخم يمكن أن يتم بموازنة المعروض النقدي بمعدل مساوٍ للتوسع في الاقتصاد».
النظرية الثانية هي نظرية جون كينز التي تقول «إن سبب التضخم هو زيادة الطلب على السلع بشكل أكبر من المعروض، وللسيطرة عليه نقوم بالتحكم في الدخول الفردية من خلال الضرائب وأسعار الفائدة لخفض الإنفاق».
هناك نهج ثالث هو نظرية دفع الكلفة التي تعزو التضخم إلى ظاهرة تُعرف بدوامة الأجور والأسعار، وكلما طالب العمال بزيادة الأجور، ارتفعت تكاليفهم، وكلما زادت كلفة الإنتاج زادت أسعار السلع، وهكذا.
النهج الرابع هو النظرية الهيكلية ومفادها أن اختلالات هيكلية في اقتصاد دولة ما يحدث عندما تميل وارداتها إلى الزيادة بشكل يفوق الصادرات، ما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة في هذه الدولة وبالتالي ارتفاع الأسعار داخلياً.
تسارع ارتفاع الأسعار يعد علامة على أن الاقتصاد ساخن، وأن الإنفاق المفرط يزيد من الطلب على العرض المحدود من السلع، ومن الممكن لواضعي السياسات منع ذلك عن طريق إبطاء متعمد للاقتصاد من خلال رفع أسعار الفائدة أو رفع الضرائب أو خفض ميزانيات الإنفاق الحكومي.
عمليات التحفيز التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي زادت من ضخ السيولة في الاقتصاد من خلال وضع أموال أكثر في أيدي المستهلكين، مسببةً التضخم الحالي، إضافة إلى عوامل جيوسياسية ولوجستية عالمية.