تواجه دول العالم توترات على أكثر من صعيد، بلغت ذروتها في الحرب الدائرة منذ 24 فبراير الماضي في أوكرانيا، تضاف إلى تلك المتراكمة منذ عقود، خاصة في منطقتنا، وقد أدت جميعها إلى تغير التوقعات على مستوى التحليل والنتائج، خاصة في المجال الاقتصادي، من ذلك ما ذهب إليه صندوق النقد الدولي، في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (الصادر في 19 أبريل الفائت)، حيث توقع نمو اقتصاد السعودية إلى 7.6% في 2022، بزيادة 2.8% على توقعاته في التقرير السابق خلال شهر يناير الماضي.
هنا يطرح السؤال الآتي: كيف للاقتصاد السعودي أن ينمو بهذا الشكل، في الوقت الذي خفّض فيه صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى 4.6% في العام الجاري (2022)؟.. أليست السعودية جزءاً من الشرق الأوسط؟
نمو الاقتصاد السعودي، يتم النظر إليه من خلال خصوصيته لجهة إنتاج النفط وتصديره، وليس من خلال الموقع ضمن الإقليم، لذلك نجد توقعات صندوق النقد الدولي تتسق مع ما جاء في تقرير للهيئة العامة للإحصاء (السعودية) نشرته عبر موقعها الإلكتروني، قالت فيه: «حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة العربية السعودية أعلى معدل نمو خلال السنوات العشر الماضية، ويرجع الفضل في ذلك إلى قطاع النفط الذي سجل زيادة بنسبة 9,6% في الربع الأول مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021».
تطوّر معدل نمو الناتج المحلي في السعودية يرجعه صندوق النقد الدولي إلى «حرب أوكرانيا وما نتج عنها من ارتفاع في أسعار الخام»، ويرى المراقبون، أن هذه النتائج الأولية متوقعة، بعد أن قاومت السعودية -وهي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم- طلبات الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة إنتاج النفط الخام، لمواجهة النقص واضطراب الإمدادات، وكبح أسعار البترول، التي ارتفعت منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وقد تتجه نحو مزيد من الارتفاع في حال استمرار الحرب واتساع رقعتها.
الموقف السعودي، جاء مدعوماً بالموقف الإماراتي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا مباشرة، حيث أكدت الدولتان التزامهما بتحالف «أوبك+» النفطي الذي تقوده الرياض وموسكو، في تأكيد واضح على استقلالية الرياض وأبوظبي في قرارهما السيادي.
وعلى الرغم من أن الهيئة العامة للإحصاء (السعودية)، قد لفتت إلى أن المعطيات الفصلية «لا تزال غير مكتملة»، إلا أنها تشي بدخول الرياض مرحلة «اليقين الاقتصادي»، نتيجة للحسم في اتخاذ قرارتها المتعلقة بعلاقتها الدولية من منطلق سيادي، كانت فيه الأولوية لمصالحها الوطنية العليا، بغض النظر عن التحالفات السابقة، وفي ذلك تغير يكشف عن نهج جديد لسياستها.