زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية يوم الخميس الماضي، سبقها بزيارة في فبراير الماضي لدولة الإمارات العربية المتحدة، هاتان الزيارتان كانتا استثنائيتين نتيجة توتر للعلاقات بين البلاد خلال السنوات الماضية، اختلاف للرؤى وتصادم نتج عنه قطيعة وصلت إلى أدنى مستوى تاريخياً، ومع تقدم التشاور التركي - المصري الحالي يمكننا القول أن أردوغان فعلاً تراجع عن كل ما يؤثر في محيطه وخصوصاً دوله الفاعلة، والتي تربطه بها علاقات ومصالح أهم بكثير من تلك التي ناكفها عليها.
لا شك أن الأجواء الجيوسياسية والاقتصادية العالمية سواءً جائحة كورونا أو الحرب في أوكرانيا جعلت العالم يراجع حساباته، ويخوض مرحلة إعادة تعريف المصالح على عجل، وتركيا المغامرة التي انتقلت من بلد صفر مشاكل إلى بلد لا يكاد يجد علاقات صافية مع أحد أحوج ما تكون إلى مراجعة حساباتها، وتصحيح علاقاتها.
يعاني الاقتصاد التركي من أسوأ موجة تضخم في تاريخه، فقدت الليرة أكثر من 50% من قيمتها حتى أصبحت تترنح عند 14 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي، وارتفعت نسبة البطالة، وتوقفت السياحة والاستثمار، ناهيك عن فقد جزء كبير من مصداقية النظام لكثرة الثغرات والشكاوى للمستثمرين وارتفاع أصوات التذمر من الوضع المعيشي، مع تدهور في أسعار العقار، وضغوط هائلة على احتياطيات البلاد النقدية، وتدني للأجور الحقيقية إلى النصف تقريباً، وارتفاع بعض السلع إلى أكثر من 100% خلال سنتين، وفي النهاية سيحمل النظام التركي كل ذلك على كاهله وهو على أبواب الانتخابات، لذلك كان لا بد من التحرك العاجل من الرئيس التركي للعودة إلى المسار الصحيح وترميم العلاقات، وخير مَن تبدأ معه بالتأكيد هي مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
من الصعب استمرار هذا الصراع غير المنطقي بين هذه الدول، وربما أحداث متراكمة تسببت في نزوات تركية غير محسوبة، أو ربما هو مشروع وقد فشل في النهاية، لا يهم الآن، فالمصلحة متوفرة ولا مانع من اقتطافها، ولأن قيادات السعودية والإمارات ومصر هي قيادات حكيمة رزينة تراعي مصالح شعوبها، ولأن نظرتها دائماً أبعد من مناكفات أو طموحات شخصية، ها هي ترحب بالعودة الطبيعية لتركيا، لتضع يدها بيد بعضها في سبيل النهوض بالمنطقة وحفظ أمنها، فقدمت الإمارات العربية المتحدة صندوقاً استثمارياً بعشرة مليارات دولار، واتفق الجانبان السعودي والتركي على زيادة التعاون وتطوير العلاقات وحل الخلافات، وبدأنا نستبشر بمنطقة تتعافى تكون أول خيوطها هذه العودة التركية، لتتفرغ دولنا في مواجهة النظام الإيراني، وتدخلاته المارقة، وكل عام وأنتم بخير.