الاقتصاد: أزمات عالمية وراء الغلاء والزيادات مبررة
شهدت أسعار سلع أساسية في الأسواق، زيادات متفاوتة خلال الفترة الأخيرة راوحت بين 5% إلى 40% لبعض السلع.
وطالب مستهلكون وخبراء اقتصاد الجهات الرقابية بالتدخل الفوري لمنع تلك الزيادة أو تثبيت الأسعار على أقل تقدير، مشيرين إلى أن هناك نحو 25 سلعة أساسية لكل منزل يجب عدم المساس بها، في مقدمتها الطحين والأرز والزيوت والسكر، داعين وزارة الاقتصاد والجهات الرقابية المحلية إلى التعاون مع منافذ البيع لتثبيت أسعارها أو بيعها بسعر الكلفة.
زيادات مبررة
من ناحيتها، قالت وزارة الاقتصاد إن ارتفاع أسعار بعض السلع جاء نتيجة تأثيرات عالمية منها أزمة كوفيد19، وتداعيات الأحداث في بعض البلدان، والتي أثرت على سلاسل الإمداد ورفعت كلفة الشحن، مؤكدة عدم وجود أي سلعة في الأسواق ارتفع سعرها دون تدقيق كامل من الوزارة.
وأكد مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، مروان السبوسي، أن هناك تأثيرات عالمية، منها تأثيرات جائحة كوفيد-19 وارتفاع تكاليف الشحن، أثرت على أسعار بعض السلع في العالم، مشدداً على أن أي منتجات زادت أسعارها في منافذ البيع سواء في الجمعيات التعاونية أو السوبر ماركت خضعت لموافقة مسبقة لطلبات الزيادة بشكل مبرر وتمت مراجعة الأسعار بما يضمن عدم تعرض المنافذ للخسائر.
وأضاف، خلال مداخلة في الجلسة النقاشية التي أقامتها صحيفة «الرؤية» مؤخراً على «تويتر»، أنه لا توجد موافقة بزيادة سلعة واحدة إلا ومرت على لجنة وخبراء مختصين واستفاضوا في دراستها قبل الموافقة على قرار الزيادة من عدمه، مشيراً إلى أن الوزارة تلزم جميع الموردين والمزودين، بالتقدم بطلب زيادة أسعار السلع، على أن تقوم بإجراء مراجعة مستوفية لمبررات الموردين وبحث الأضرار ومن ثم الموافقة أو رفض الطلب.
المستهلك شريك في الرقابة
وأوضح أن إدارة حماية المستهلك لا تهتم فقط بالبت في زيادات الأسعار بل تهتم بشكاوى المستهلكين على مستوى الدولة واسترداد السلع ومراقبة الأسعار والحد منها.
وأكد أن وجود منافسين أكثر في الأسواق يصب في مصلحة المستهلك على صعيد المنافسة طويلة المدى، مؤكداً أن المستهلك يعد شريكاً في عملية الرقابة عبر التفاعل البناء مع الجهات الرقابية.
من ناحيته، أكد الخبير في القطاع الاستهلاكي إبراهيم البحر أن أسعار عدد من السلع ارتفعت بشكل مبالغ فيه خلال الفترة الماضية ضارباً المثال بارتفاع أسعار الدواجن المجمدة بنسبة 40% خلال الأشهر الأخيرة، ما يعد أمراً غير منطقي.
ولفت البحر إلى أن الجمعيات التعاونية ليست وحدها المتسبب في ارتفاع أسعار السلع التموينية بل إنها منظومة من المستورد والتاجر والموزع.
ودعا منافذ البيع إلى المحافظة على أسعار 25 سلعة حيوية عند المعدلات الطبيعية، داعياً الجهات الرقابية إلى التعاون مع منافذ البيع لتثبيت أسعارها أو بيعها بسعر الكلفة.
مواجهة الغلاء
بدوره، قال مدير إدارة السعادة والتسويق في تعاونية الاتحاد، الدكتور سهيل البستكي إن التعاونيات تساهم بقوة في مواجهة الغلاء والتضخم خلال الأزمات، ضارباً المثال بدور التعاونيات في حرب الخليج والأزمة المالية في العام 2008 وأزمة التضخم الحالية، حيث ثبتت أسعار سلع ارتفعت بشكل عالمي ووفرت سلعاً ضرورية وباعتها للمستهلك بسعر الكلفة وبأقل من سعر الكلفة في بعض الأحيان. وأضاف أن هذا الجهد تكلل بوجود 700 ألف عضو في برنامج الولاء لجمعية الاتحاد يحصلون على فوائد فورية أو من خلال تجميع نقاط، مشيراً إلى أن دور التعاونيات في التوطين وخفض الأسعار وتوفير المخزونات بأسعار أقل من كلفة الشراء.
التضخم المحلي
وقال المستشار والخبير المالي صلاح الحليان إن كثيراً من العوامل تؤثر على التضخم محلياً، حيث يستأثر السكن بنسبة 34% من دخول الأفراد في المتوسط والمأكل 14% التنقل والسيارات 14.6% والتعليم 7.7% وبضائع وسلع 6.3% ومستلزمات المنازل 5.6%، ما يجعل المشكلة هي آليات رقابة الأسعار للتحكم في التضخم بشكل كبير.
وأكد الحليان المشكلة الرئيسية هي الرقابة على المحال التجارية بشكل مستمر، حيث إننا لم نسمع عن محال أغلقت بسبب المغالاة في الأسعار فنحن نحتاج إلى رقابة حقيقية لصيقة ونحتاج إلى معلومات حقيقة حول التضخم الحقيقي.
وأوضح الحليان أن منظومة الأسعار متصلة ببعضها البعض وعملية التسعير لا بد أن تكون عليها رقابة لضبط الاحتكار ومواجهة الغلاء، كما أننا نحتاج إلى آلية تتعاون فيه جهات الحكومة الاتحادية والمحلية لمواجهة الغلاء والتضخم وتحديد المتحكم الفعلي في الأسعار.
ارتفاع الشحن
من جانبهم، أكد عدد من المستهلكين التقتهم «الرؤية» أن أسعار كثير من السلع ارتفعت خلال الشهرين الماضيين بنسب متفاوتة من 5 إلى 40% مطالبين الجهات الرقابية بالتدخل ووقف تلك الزيادات أو تثبيت أسعار السلع على ما هي عليه على أقل تقدير.
وتوقع موردون ومستثمرون ومسؤولون في منافذ البيع ان تشهد أسعار الدواجن زيادة اضافية بنسبة 20% إضافية خلال الأسابيع المقبلة، محذرين من أن موجة الارتفاعات قد تنتقل إلى اللحوم الحمراء الطازجة في حال طال أمد الأزمات العالمية.
وأوضحوا أن تكاليف الشحن العالمية ارتفعت بنسب تراوح بين 100% و200% من بعض الدول الأساسية لتوريد المواد الغذائية من الدواجن واللحوم المستوردة.
ولفتوا إلى ارتفاع أسعار الذرة الصفراء، التي تعد المصدر الأساسي لأعلاف المواشي والدواجن، مشيرين إلى ان حصة كل من روسيا و أوكرانياً من الإنتاج العالمي لهذه الحبوب تصل إلى 17%، ما ينذر بارتفاع أسعار اللحوم خلال الأشهر المقبلة.
زيادة أسعار الأعلاف
يقول موردون وتجار إن أسعار الواردات الجديدة من اللحوم الحمراء والبيضاء تزيد بنسبة 30% عما كانت عليه قبل فترة وجيزة، مشيرين إلى أن أزمة الأسعار تفاقمت بسبب زيادة تكاليف الشحن الدولي وزيادة أسعار الوقود والأعلاف.
وأكد المدير العام لشركة الإسلامي للأغذية في دبي، صالح لوتاه، أن أسعار الدواجن ارتفعت من دول المصدر بنسبة تراوح بين 20 و30%، نتيجة التداعيات العالمية التي تسببت في ارتفاع أسعار الوقود وإنتاج الأعلاف. وأكد أن الشركة تستورد ألفَي طن من الدواجن شهرياً، موضحاً أن خدمات التوزيع والمساحات الإيجارية في منافذ البيع تستحوذ على 35% من السعر النهائي للسلع.
وأرجع سبب ارتفاع الدواجن إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، والشحن الدولي، وتكاليف الإنتاج في المصانع الرئيسية نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة، مشيراً إلى أن المنظومة تأثرت بشكل كامل لتتراكم في السعر النهائي على المستهلك بنسبة تصل إلى 25%.
وأكد لوتاه أنه من الضروري التحرك على مستوى شامل لمواجهة حالة التضخم المتصاعدة، إذ إنه لا بد للحكومة من المبادرة في مناقشة سبل تجاوز التحديات غير المسبوقة ومواجهة التضخم في الأسعار، بمشاركة القطاع الخاص من شركات تجارية ومنافذ بيع ومصنعين، لتخفيض الأسعار نسبياً.
واقترح أنه يمكن أن تعمل الحكومة على إلغاء ضريبة القيمة المضافة على أسعار المنتجات الأساسية ولو لفترة زمنية محدودة، والشركات المستوردة ومنافذ البيع والموزعين أن يخفضوا هامش الربح نسبياً، لتنعكس مجتمعة على السعر النهائي للمستهلك.
القوة الشرائية
بدوره، قال صاحب محال البيت السوري لتجارة المواد الغذائية في شمال الإمارات أحمد سعيد، إن الشحن الدولي ارتفع بمعدلات تراوح بين 100 و500% على حسب الدولة.
وأوضح أنه يستورد معظم المنتجات الغذائية من سوريا والأردن. ولفت إلى أن ارتفاع تكاليف الشحن أثر بزيادة أسعار منتجات اللحوم الحمراء الطازجة، لترتفع بنسبة تصل إلى 10%، ما انعكس على القوة الشرائية لقطاع اللحوم بمعدل يصل إلى 20%.
صدى الأسعار
أكد مدير عام جمعية عجمان التعاونية سامي الدمياطي، أن أسعار اللحوم البيضاء والحمراء لم تتأثر حتى اللحظة بأي ارتفاعات سعرية، نتيجة المخزون الاستراتيجي لدى شركات التوريد منذ عدة أشهر، مشيراً إلى أن أي ارتفاع يمكن أن يحصل على اللحوم من الموردين مستقبلاً، سنضطر معه إلى رفع الأسعار بموافقة مسبقة من قبل وزارة الاقتصاد. وأوضح أن التأثيرات العالمية بدأت في شهر مارس نتيجية الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، لكن صداها على منتجات اللحوم وكافة المواد الغذائية لم يصل بعد.
مواجهة التضخم
من جهته، قال مدير مكتب البحر للاستشارات الاقتصادية الخبير في قطاع التجزئة إبراهيم البحر، إن ارتفاع الأسعار لامس أسعار الدواجن بنسبة تتجاوز 30%، ليصل سعر صندوق الدجاج الذي يحتوي على 10 دجاجات مجمدة مستوردة إلى 119 درهماً، مرتفعاً من 78 درهماً.
وقال إن الشحنات الجديدة من الدواجن لامسها الارتفاع، وبدأ المستهلك النهائي يشعر بالتضخم في أسعار اللحوم البيضاء والحمراء، مبيناً أن الشركات حاولت مواجهة الارتفاع منذ بداية العام الجاري، نظراً لحجم المخزون في البرادات، والذي بدأ في التلاشي تدريجياً، لتضطر إلى رفع الأسعار بسبب رفعها من دول المصدر.
وأوضح أن استمرار ارتفاع أسعار الشحن الدولي، وما يتصل به من ارتفاع تكاليف الإنتاج، للمواد الأساسية من أعلاف وتخزين ونقل، ستؤثر مجتمعة على ارتفاع أسعار اللحوم، والمقاومة لن تكون مجدية، في حال لم يجتمع القطاعان العام والخاص لمناقشة طرق مواجهة التضخم في الأسعار.