لمحاربة نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاستغناء عن غاز موسكو على المدى المتوسط، تستثمر فرنسا في الغاز الحيوي، في سياق يمكن أن يغلق فيه بوتين في أي وقت صنبور الغاز الطبيعي على أوروبا، التي تعتمد على الإمدادات الروسية بنسبة 40%، في حين تبلغ النسبة عند فرنسا 17%، بحسب تقرير نشره الموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة «لوفيجارو» الفرنسية.
تطوير سريع للغاز الحيوي
ويتجه قطاع الطاقة في فرنسا نحو التطوير السريع للغاز الحيوي، وهو غاز مماثل للغاز الطبيعي (الميثان)، لكنه يُنتج عبر الـ«ميثانيزاسيون» (تحلل حيوي بطريقة طبيعية للمواد العضوية)، وذلك من خلال استغلال منتجات زراعية غير غذائية، أو نفايات أخرى. وشهد الغاز الحيوي، الذي يصنف ضمن «الغاز الأخضر»، خلال السنوات الأخيرة نمواً كبيراً جداً، بحسب «لوفيجارو».
ويعد قطاع الغاز الحيوي، وفق «لوفيجارو»، القطاع الوحيد في مجال الطاقات المتجددة، الذي نجح في تجاوز هدفه الوطني، إذ تضاعف إنتاجه في عام 2021 مقارنة بالعام الذي سبقه. وفي المقابل، يبقى استهلاك فرنسا للغاز الأخضر ضئيلاً جداً بنسبة لا تتجاوز 2% من الاستهلاك الإجمالي للغاز في البلاد، أي ما يعادل 6 تيراواط/ساعة. وقالت شركة «جي إر دي آف» لتوزيع الغاز الطبيعي في فرنسا لـ«لوفيجارو»: إن «عدد أصحاب مشاريع الغاز الحيوي كان، حتى وقت قريب، يتضاعف بمعدل مرة أو مرتين كل عام، وإن المشاريع التي توجد حالياً في مرحلة البحث تمثل أكثر من 3 أضعاف مقارنة بالإنتاج الحالي، أي ما يعادل 20 تيراواط/ساعة، وإن ما بين 3 و5 منشآت جديدة ترى النور كل شهر».
دعم المنتجين
وتهدف السلطات العمومية الفرنسية إلى تسريع الخطى، من أجل تقليل التبعية للغاز الروسي في أسرع وقت ممكن. وفي هذا الإطار، تدعم الدولة المنتجين، وهم في الأساس مزارعون، عبر اعتماد سعر شراء ثابت مضمون لمدة 15 عاماً، والمحدد حتى الآن في نحو 90 يورو للميغاواط/الساعة. كما بدأت فرنسا في إطلاق المناقصة العمومية الأولى على الإطلاق بحجم 0.5 تيراواط/ساعة، من أجل بناء واستغلال محطات الـ«ميثانيزاسيون»، التي يتوقع أن تشارك فيها كبرى شركات الطاقة.
وتمتلك شركة الطاقة الفرنسية «إنجي»، بحسب «لوفيجارو»، 10% من السوق، وهي نفس النسبة التي تمتلكها شركة «توتال-إنرجي» بعدما أعادت العام الماضي شراء أنشطة الغاز الحيوي الخاصة بشركة «فونروش».
10 % من الاستهلاك 2030
وتضمن الدولة الفرنسية للمنتجين المختارين، وفق ما أورده تقرير «لوفيجارو»، سعرا مستقرا على المدى البعيد، والذي سيكون 95 يورو للميغاواط/ساعة، يشمل التضخم. وتريد الدولة الفرنسية أن يمثل الغاز الحيوي 10 في المائة من الاستهلاك الإجمالي في البلاد في عام 2030.ويمكن أن ترفع فرنسا، بحسب «لوفيجارو»، من سقف أهدافها في هذا المجال في قانون البرمجة المقبل، مع تقدير أن تبلغ النسبة في آخر العقد 15%، ما سيجعل الاستغناء عن موسكو، التي تمثل 17% من واردات فرنسا من الغاز، ممكناً. وبفضل زراعتها القوية، تمتلك فرنسا الإمكانات الأولى فيما يخص إنتاج الميثان الحيوي على مستوى القارة الأوروبية.
خطر التوقف
وفي المقابل، تواجه الديناميكية الفرنسية في هذا المجال، وفق «لوفيجارو»، خطر التوقف، بفعل أسعار إعادة الشراء العمومية الجديدة الخاصة بالغاز الحيوي، التي ستنخفض قريبا إلى نحو 80 يورو لكل ميغاواط/ساعة.وقال المرجع المنتخب للمناخ والطاقة في الفدرالية الوطنية لنقابات المزارعين في فرنسا، أوليفييه دوجر، لـ«لوفيجارو»، إنه «مع ارتفاع تكاليف المواد الأولوية، وانخفاض الأسعار، شهدت لائحة المشاريع تراجعاً، بسبب نقص الربحية». وكان سعر إعادة الشراء السابق أكثر بأربع مرات مقارنة بسعر سوق الغاز الطبيعي في بداية عام 2021، لكن تضاعف سعر الغاز الطبيعي بمعدل 4 مرات، واقترابه الآن من 100 يورو لكل ميغاواط/ساعة، جعل الغاز الحيوي يواجه المنافسة، على الأقل ما دامت الأزمة العالمية لقطاع الطاقة متواصلة.
ومن المحتمل أن تنتهي أسعار السوق، بحسب «لوفيجارو»، بالانخفاض. وفي المقابل، لن تنخفض أسعار الغاز الحيوي في فرنسا بسهولة. كما أن حجم محطات الـ«ميثانيزاسيون» في فرنسا يظل في حجم، متواضعاً من حيث استهلاكات المزارع الفرنسية. وتعتبر تلك المحطات أصغر بأربع مرات، في المتوسط، بالمقارنة مع الوحدات الألمانية، ما يجعل إنتاج الغاز الحيوي مكلفاً في فرنسا. ومن جانبه، أفاد نائب المدير العام لشركة «إنجي» المكلف بأنشطة البنى التحتية، إدوارد سوفاج، في تصريحات لـ«لوفيجارو»، بأن «النموذج الفرنسي للميثان الحيوي يبدو مناسباً لاستغلالات المزارع في فرنسا، وأنه يجب أن تتناسب مع المناطق، حتى يتم قبولك، وأن ذلك يعد أمراً أساسياً في ما يتعلق بالطاقات المتجددة».
إقرأ أيضاً..أوكرانيا تتخلص من إرث روسيا بتغيير أسماء شوارعها
الاختلاف عن الطاقة الريحية
ويريد عالَم الغاز بالتأكيد، بحسب «لوفيجارو»، الاختلاف عن الطاقة الريحية، التي تواجه العديد من الانتقادات المحلية. وأبرزت الفدرالية الوطنية لنقابات المزارعين أنه حتى الآن تسير الأمور، باستثناء ثلث صغير من مشاريع «ميثانيزاسيون» (التحلل الحيوي)، الذي كان موضوعاً لشكاوى. ويولد الميثان الحيوي، بحسب تقرير «لوفيجارو»، عوامل خارجية إيجابية«، أي فوائد غير مقدَّرة قيمتها اليوم. وبين أحد المراقبين أنه «بفضل الميثان الحيوي، يتم إثراء المزارعين الفرنسيين عوضاً عن روسيا». كما يتيح الغاز الأخضر، بحسب «لوفيجارو»، خلق الوظائف في المناطق القروية، ويوفر للمزارعين مدخولاً مستقراً. ويمكن للمخلفات العضوية التي تنتج عن عملية الـ«ميثانيزاسيون» أن يتم استخدامها كسماد، وهو شيء ثمين عندما ترتفع أسعار السماد، كما حدث في الأشهر الأخيرة، نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. ويعتقد مهنيون أن هذا النظام الصغير للإنتاج يمكن أن يقود نحو الاستبدال الكامل للغاز الطبيعي في أفق عام 2050.