منذ التصعيد الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، جعل رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، من تنويع موردَي بلاده للمواد الهيدروكربونية أولوية استراتيجية، للتحرر بأي ثمن من الاعتماد على روسيا، التي تزود شبه الجزيرة حالياً بـ45% من غازها، وهو ما نجحت الدبلوماسية الإيطالية في تحقيقه بشكل لم يكن أحد ليصدقه قبل شهر واحد فقط، بحسب تقرير موسع نشره الموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة «لاتريبين» الفرنسية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية والمالية. ونجحت إيطاليا في القيام بذلك بالتوجه نحو المورّدين الأفارقة، كالجزائر، ومصر، وأنغولا، والكونغو، وموزمبيق، وبفضل شركة الطاقة الإيطالية «إيني»، المنتج الأجنبي الأول في أفريقيا، وصاحبة خبرة تقرب من 70 عاماً في القارة السمراء.
المدة المحددة
وتتوقع إيطاليا أن تنجح في التحول عن الغاز الروسي في غضون «18 شهراً»، معلنة أن هدفها هو «استبدال ثلثي إمدادات موسكو في غضون أسابيع». وتعد إيطاليا من أكبر مستهلكي الغاز في أوروبا، حيث يمثل 42% من استهلاكها الطاقي، وتستورد 95% من غازها. وتعتمد بشكل كبير على روسيا، التي تزودها حالياً بـ45% من هذا الغاز. وفي اليوم نفسه للغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «توتال» الفرنسية، باتريك بوياني، أنه من المستحيل على الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الغاز الروسي على المدى القصير، الذي يعتمد عليه بنسبة 40%، وهو تشخيص أكدته الدول المنتجة «البديلة»، معتبرة أنها لا تملك الوسائل للتعويض السريع عن مثل هذه الكمية من الغاز، إذا أغلق الصنبور الروسي لسبب أو لآخر. ومع ذلك، كان الاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير موقع صحيفة «لاتريبين»، يتخذ خطوات، بمساعدة الولايات المتحدة التي من المؤكد أنها مهتمة، لإيجاد حل للغاز الروسي، حتى تتمكن من إدراج سلاح الطاقة ضمن عقوباتها ضد روسيا.
تحرك إيطالي سريع
وأرسلت إيطاليا، التي تعد من بين دول الاتحاد الأوروبي الأكثر اعتماداً على الغاز الروسي، بعد أربعة أيام من دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، في 28 فبراير، وزير ماليتها، لويجي دي مايو، ورئيس «إيني»، كلاوديو ديسكالزي، لإبرام اتفاق للحصول على زيادة في شحنات الغاز من طرف شريكها الجزائري «سوناطراك».وأوضحت «إيني»، في بيان، أن الاتفاق مع «سوناطراك» في الجزائر ستنتج عنه زيادة تدريجية في كميات الغاز ابتداء من العام الحالي، لتصل إلى 9 مليارات متر مكعب في 2023-2024، وذلك من خلال خط أنابيب «ترانسميد»، الذي يربط بين الجزائر وإيطاليا عبر تونس والبحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين، ازداد النشاط الدبلوماسي لإيطاليا، لضمان مستقبلها القريب فيما يخص الطاقة، والخروج من اعتمادها المفرط على الغاز الروسي، حيث جعل رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، من تنويع موردَيه أولوية، وفق «لاتريبين». وقال دراجي، في مقابلة مع يومية «إلكوريير ديلا سيرا»: «لم نعد نريد الاعتماد على الغاز الروسي، لأن التبعية الاقتصادية لا يجب أن تصبح خضوعاً سياسياً». وأضاف أن «التنويع ممكن، ويمكن تنفيذه بسرعة نسبياً، أسرع مما كنا نظن قبل شهر واحد فقط».
التوجه نحو أفريقيا
وبعد الاتفاق مع الجزائر في 28 فبراير، ومع مصر قبل عيد الفصح، تهدف إيطاليا، بحسب تقرير موقع صحيفة «لاتريبين»، إلى إبرام اتفاقيات جديدة مع الكونغو، وأنغولا هذا الأسبوع، وموزمبيق في مايو. ولهذه الغاية، كان من المقرر أن يتوجه ماريو دراغي، الأربعاء 20 أبريل إلى العاصمة الأنغولية لواندا، والخميس 21 أبريل إلى العاصمة الكونغولية برازافيل، لإبرام عقود توريد جديدة هناك. وبسبب إصابته بـ«كوفيد-19»، تم استبداله في اللحظة الأخيرة بوزير خارجيته، لويجي دي مايو، يرافقه وزير الانتقال البيئي، روبرتو سينجولاني.
«إيني».. مفتاح مهم
وتعد نجاحات هذا النشاط الدبلوماسي الإيطالي المكثف في القارة الأفريقية، بحسب «لاتريبين»، انعكاساً ونتيجة لـ«العلاقات الممتازة»، التي أقامتها شركة الطاقة الإيطالية العملاقة «إيني»، خلال ما يقرب من سبعين عاماً من التواجد في أفريقيا، كانت فيها الرائدة على مستوى الإنتاج والاحتياطات، بحسب ما أكده رئيس مركز التفكير «نوميزما إينيرجيا»، دافيد تاباريلي، لوكالة «فرانس برس». وقال وزير التحول البيئي الإيطالي، روبرتو سينجولاني، الخميس 21 أبريل، في مقابلة مع يومية «لا ستامبا»، حول موضوع الاستقلال عن الغاز الروسي، إنه «من الواضح أن أوروبا بأكملها تعتمد اعتماداً كبيراً على روسيا من أجل الغاز، وهذا يمثل خطأً جيوسياسياً خطيراً تم ارتكابه على مدار الـ20 عاماً الماضية». وأضاف سينجولاني أنه لا فائدة من التفكير في أنه يمكننا حله في غضون شهر، لكن من وجهة نظر معينة، فإنها أموال كثيرة: فبالطاقة نعطي ما يقرب من مليار يورو يومياً لروسيا، وبالتالي نمول الحرب بشكل غير مباشر.
وفيما يتعلق بالجانب الملموس للوقت اللازم لتحقيق هذا الاستقلال في مجال الطاقة مع روسيا، يتوقع الوزير، الذي يتفق تماماً مع تصريحات ماريو دراجي ليومية «إلكوريير ديلا سيرا»، أن تنجح إيطاليا في التحول عن الغاز الروسي في غضون 18 شهراً. وفي السابق، كان قد قدر أن شبه الجزيرة تحتاج «ما بين 24 إلى 30 شهراً» للوصول إلى هناك. وبين الوزير أنه «بحلول النصف الثاني من العام المقبل، سنبدأ في الحصول على استقلال شبه كامل»، مبرزاً أن «الهدف هو استبدال ثلثي إمدادات موسكو في غضون أسابيع».
مشاريع للغاز الطبيعي
وتقوم شركة «إيني» الإيطالية، أكبر منتج أجنبي للطاقة في أفريقيا، بتطوير مَصنعَين للغاز الطبيعي المسال في جمهورية الكونغو، يمكن أن تزود بـ5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال عند التشغيل الكامل. وتمتلك «إيني» أيضاً، بحسب «لاتريبين»، أصولاً في مجال الإنتاج الأولي في أنغولا، حيث وقعت مؤخراً مشروعاً مشتركاً مع «بي بي» الأنغولية. وقال مصدر حكومي إن أنغولا يمكن أن تزود بنحو 4 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنوياً لبضع سنوات.وتعمل «إيني»، التي اكتشفت حقل «ظهر» الضخم للغاز في مصر في عام 2015، على تطوير مصنع عائم للغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، والذي من المتوقع أن يبدأ الإنتاج في الجزء الأخير من هذا العام، ويعالج نحو 3.4 مليون طن سنوياً عندما يبدأ تشغيله. وتريد إيطاليا، التي لديها خمسة خطوط أنابيب كبيرة للاستيراد، زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، وتخطط لدمج محطات الغاز الطبيعي المسال الثلاث التي تستغلها حالياً. وتعتزم الحكومة الاستحواذ على وحدتين عائمتين للتخزين، وإعادة التحويل إلى غاز، بسعة إجمالية تبلغ حوالي 10 غم 3.
إقرأ أيضاً..أمريكا بين المطرقة والسندان..هل تعود لـ«نووي إيران» أم تحافظ على الحلفاء؟
التقشف الطاقي
وفي الوقت الذي تصنف فيه إيطاليا من أكثر البلدان الأوروبية، التي تعتمد على الغاز، ترغب الحكومة الإيطالية في تقليص الاعتماد على الغاز، وذلك عبر رفع وتيرة الاستثمار في الطاقة المتجددة، وكذا التخلص من العراقيل الإدارية، التي تواجه مشاريع توليد الطاقتين الشمسية والريحية. وفي هذا السياق، دعا رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، إلى تضحيات جماعية، وقال متوجهاً إلى الإيطاليين: «هل نريد السلام أم نريد أن تعمل المكيفات؟»، وهو ما وُوجِه باستياء من قِبل شريحة من الإيطاليين. وفي المقابل، تنكب الحكومة الإيطالية على إعداد خطة لخفض التدفئة في المدارس، والإدارات الرسمية، درجة واحدة، ورفعها صيفاً للمكيفات بدرجة واحدة، وهو ما يمكن أن يشمل أيضاً المنازل، والشركات الخاصة.