في إشارة جديدة على تراجع التعاون الاقتصادي في مجموعة العشرين، غادر ممثلو بعض الدول الغربية أحد الاجتماعات التي انعقدت قبل أيام على مستوى وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية فور بداية كلام الوفد الروسي، وتحدث وزراء أمريكا وكندا وبريطانيا بعد خروجهم عن معارضتهم لوجود الروس في الاجتماعات، كما انضم لهم في المعارضة وزير مالية أوكرانيا الذي حضر للمطالبة بمساعدات لبلاده، رغم أن أوكرانيا ليست عضواً في المجموعة.
هذا الاجتماع كان الأول لمجموعة العشرين منذ بداية الأزمة الروسية- الأوكرانية ومن المفروض أن تتم عدة اجتماعات خلال السنة تحضيراً للمؤتمر السنوي على مستوى قادة الدول الذي يعقد هذه السنة في إندونيسيا برئاستها في شهر نوفمبر.
رغم أن المجموعة ليست منظمة رسمية تصدر قرارات ملزمة، إلا أنها لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي منذ نشأتها عام 1999، وقد تنامى دورها وفعاليتها منذ عام 2008 عندما بدأ قادة الدول الأهم والأكثر تأثيراً في العالم يجتمعون بشكل سنوي منتظم، وكانت هناك العديد من النتائج الإيجابية للعمل المشترك، بداية من تخفيف آثار أزمة عام 2008، ثم رفع مستوى التنسيق بخصوص ضرائب الشركات المتعددة الجنسيات وجهود مكافحة الفقر، وصولاً إلى التعامل مع أصعب أزمة واجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية وهي جائحة كورونا، حيث صدر عن قمة العشرين المنعقدة في عام 2020 برئاسة المملكة العربية السعودية العديد من المبادرات لدعم الدول الفقيرة وإسقاط ديون بعضها وتأجيل ديون أخرى، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية ضخمة مما ساهم في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وشكلت اجتماعات المجموعة في السنوات الأخيرة إطاراً لتخفيف الخلافات الاقتصادية مثل الحرب التجارية بين الصين وأمريكا.
وبالعودة إلى خروج الوزراء الغربيين من الاجتماع، وقبلها كلام الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه يعتقد أن روسيا يجب أن تخرج من المجموعة، يبدو أننا نشهد نهاية مجموعة العشرين أو على الأقل زوال فعاليتها، فحتى لو استمرت الاجتماعات التي ستكون شكلية في ظل الخلافات الحادة التي يقودها المعسكر الغربي بقيادة أمريكا بمطالبته كل الدول الأخرى باتخاذ موقف إما مع أو ضد التوجهات الغربية، وسيكون هذا التراجع في دور مجموعة العشرين مسماراً آخر في نعش العولمة التي كان المعسكر الغربي من أشد العاملين لها.
إن تفاقم الأوضاع الاقتصادية وانشغال الدول الكبرى بمشاكلها السياسية، سيكشف عدداً من الدول الفقيرة ويعرض الكثير منها للإفلاس وهو أمر لا يمكن توقع نهايته إذا بدأ بالانتشار.