دفعت الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تعصف بتونس، وغلاء أسعار المواد الغذائية، التونسيين إلى اللجوء خلال شهر رمضان إلى موائد الرحمن، وتغيير عاداتهم الغذائية، والتقليل من استهلاكهم، والاستغناء عن الرفاهيات، في وقت تعاني فيه البلاد نقصاً في المواد الأساسية، بحسب تقرير نشرته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. وأشارت الصحيفة إلى أن الاكتظاظ بالناس بات ظاهرة في المطاعم التي تحرص على تنظيم «موائد الرحمن» مجاناً، ومنها مطعم صغير في حي «باب سويقة» الشعبي على حافة مدينة تونس، حيث إن الازدحام يميزه عن غيره من المطاعم المجاورة، والسبب تقديمه وجبة الإفطار مجاناً، قبل دقائق من أذان المغرب، وقال أحد الأشخاص، وهو ينتظر بصبر وعاء الحساء الخاص به «دأبت على القدوم إلى هنا عدة مرات في الأسبوع، حيث أتناول اللحوم، التي أصبحت باهظة الثمن بالنسبة لراتبي كعامل، وأيضاً لرؤية الناس»، وتتكون الوجبة من تمر، وكوب من الحليب، ثم «الشوربة» (حساء تقليدي)، وأكلة «الجلبانة بالدجاج»، وأصابع فاطمة التونسية، مع السلطة، وهي وجبة بسيطة لكنها متسقة، وبعد تناوله طعام الإفطار، جمع المتبقي من الطعام في علبة، وغادر باتجاه منزله.
التضخم وغلاء الأسعار
وفي عام واحد، بلغ معدل التضخم 7.2% في تونس، و8.7% بالنسبة للمنتجات الغذائية، وفي شهر مارس الماضي، لاحظ المعهد الوطني للإحصاء، ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.1%، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة أسعار مجموعة المياه المعدنية، والمشروبات الغازية، وعصائر الفاكهة، بنسبة 2,7%، ولحم البقر بنسبة 2.3%، والخضراوات الطازجة بنسبة 2.2%، ومنتجات الحبوب بنسبة 1.3%.
ومع حد أدنى للأجور يبلغ نحو 130 يورو، يكافح التونسيون لملء سلتهم التقليدية الخاصة بالتسوق، إذ بلغ سعر 5 لترات من زيت الزيتون نحو ثلاثين ديناراً، وهو ما يكسبه العامل العادي في اليوم، ووصل سعر كيلو اللحم 35 ديناراً (10.80 يورو)، يضاف إلى ذلك مشاكل النقص في المواد الأساسية، إذ لم يكن الطحين والسميد متوفرين لمدة أسابيع، وتتم الآن عملية إعادة التخزين، لكنها لا تزال صعبة.ومن جانبها، قالت عايدة، مدبرة منزل، إنها أصبحت تقتني ما تحتاج إليه من مواد للطبخ ليوم واحد فقط، على أمل أن تنخفض الأسعار في اليوم التالي، وأضافت «أقتني حبتين من الطماطم، وحبة فلفل، لصنع الصلصة.. ولدي دائماً أمل في أن تنخفض الأسعار في اليوم التالي»، وتتجول عايدة، وهي سيدة عازبة وتعتني بأمها طريحة الفراش، بين المتاجر في محاولة للعثور على السلع بأسعار مناسبة، وتقول «الفلفل الأخضر يكلف أكثر من 7 دنانير (2.16 يورو) في الحي الذي تسكن فيه، في حين يبيعه بقال آخر بـ3 دنانير (0.93 يورو)».
المضاربة في السلع
في سوق حلق الوادي، في شمال شرق تونس، انتقد بائع بقالة المضاربين، قائلاً «أولئك الذين لديهم رأس المال يشترون بالجملة ويخزنون السلع، ثم ينتظرون حتى يكون هناك نقص، ليعيدوا البيع بسعر أغلى.. فالبطاطس حددت الدولة سعرها بـ1.3 دينار (0.40 يورو) للكيلو، وفي سوق الجملة يبيعونها مقابل 1.7 دينار (0.52 يورو) مع كتابة 1.4 دينار (0.43 يورو) على الفاتورة، فأضطر إلى شرائها، لأن ذلك مصدر رزقي، وأعيد بيعها مقابل دينارين (0.62 يورو)». وأوضح التاجر أنه «يخسر ما بين 200- 300 دينار (61.7 إلى 92.57 يورو) في الأرباح الشهرية منذ ارتفاع الأسعار».وبدأ ارتفاع الأسعار في تونس تدريجياً منذ ثورة 2011، مع عدم الاستقرار السياسي والأمني، قبل أن يتفاقم الوضع خلال فترة انتشار فيروس «كوفيد-19» في البلاد، ليتفاقم مع الحرب في أوكرانيا، بينما تكافح تونس من أجل تمويل وارداتها، بعدما تم خلال كل تلك السنوات تجاهل القطاع الزراعي، كما أن نصف الأراضي الخصبة في تونس غير مستغلة، مع وجود مشكلة على مستوى الري، والتوسع الحضري المتزايد، وعدم تقدير المزارعين، الذي يؤثر على الإنتاجية، ما ينعكس على أطباق التونسيين.
إقرأ أيضاً..اللجنة الوزارية العربية تدين الموقف الإسرائيلي في القدس
تضرر الطبقات الوسطى
ولم تفلت الطبقة المتوسطة في تونس من هذه الأزمة، وقالت ليلى، وهي سيدة في الثلاثين من عمرها، وأم لطفل، إنها تعمل في صناعة الأدوية، واعتادت شراء الماركات المشهورة فقط، لكنها اضطرت إلى الاستغناء عن منتجات الشوكولاتة، والمعجنات المستوردة باهظة الثمن، وخفضت مشترياتها من الفلفل والطماطم إلى النصف، كما أنها تفضل الأسماك لأنها صحية وتوفر المال، موضحة أنها تتناول ثلاث سمكات من الدنيس تكلف 15 ديناراً (4.60 يورو)، بينما تبلغ كلفة 500 غرام من اللحوم 17 ديناراً (5.24 يورو). وأوضحت ليلى، المتزوجة من تاجر، أنها تشعر بالقلق، وأنهم كانوا في السابق يذهبون لتناول الطعام في أحد المطاعم، مرتين أو ثلاث مرات في الشهر، وحالياً لا يتمكنون من الذهاب إلا مرة واحدة وبصعوبة، كما أن زيادة الأسعار طالت كل شيء، حتى الملابس ومستحضرات التجميل.