دانية الشمعة ـ أبوظبي

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات، المحاضرة الرمضانية الثالثة لمجلس محمد بن زايد بعنوان «مواجهة أهم التحديات العالمية من خلال الابتكار»، والتي أكد فيها المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة (إنتليكتشوال فنتشرز) المخترع إدوارد جونج، أن دولة الإمارات مؤهلة لقيادة التحولات المقبلة للابتكار.

عقدت المحاضرة أمس (الثلاثاء) في مسجد الشيخ زايد الكبير بأبوظبي، وألقاها المخترع إدوارد جونج، الذي يعد واحداً من أفضل 12 مخترعاً في العالم من حيث عدد براءات الاختراع والحاصل على أكثر من 1200 براءة اختراع أمريكية بمختلف المجالات.

شهد المحاضرة: سمو الشيخ عبدالله بن راشد المعلا نائب حاكم أم القيوين، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ خالد بن زايد آل نهيان رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، والشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار الشؤون الخاصة في وزارة شؤون الرئاسة، وعدد من المسؤولين.



وعرضت خلال المحاضرة عدة مشاركات مرئية عبر الفيديو، حيث بيّن وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الدكتور سلطان الجابر أن التكنولوجيا المتقدمة تخلق فرصاً جديدة، والبيانات والمعلومات هي نفط المستقبل والأساس في توفير حلول رقمية لدعم التقدم في مختلف المجالات وأهمها الصناعة، فيما أشار رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي إريك زينغ إلى أن مهمة التكنولوجيا هي حل المشاكل وليس تقليد دولة متطورة، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي كفيل بإحداث قيمة وأثر على كافة المشاكل.

أخبار ذات صلة

«اصنع في الإمارات» يسجل 32 اتفاقية وصفقات محتملة بـ 110 مليارات درهم
شرطة أبوظبي تطلق «صيف بأمان 3» لتعزيز الوقاية والسلامة


الابتكار نشاط اقتصادي

وأوضح إدوارد جونج أن الابتكار أهم نشاط اقتصادي يمكن القيام به، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فنظام الابتكار تغير عدة مرات على مدار التاريخ الإنساني، وآخر 3 تغيرات كانت لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الابتكار تعرض لتغيرات كاسحة مرة أخرى والموجة التالي قد تشكل فرصةً رائعة لدولة الإمارات وبلدان أخرى.

ولفت جونج إلى أن 85% من النمو يأتي من الابتكارات الجديدة، وهذا يمثل تغيراً لم يكن موجوداً منذ 100 عام، ما أدى لعصر ذهبي للاختراعات، لأن كل جهاز حديث وكل مجالات الحياة والصناعة الحديثة، جاءت نتيجة هذه الاختراعات مثل الكهرباء، الكمبيوتر واللقاحات وغيرها، والأمر المفاجئ -بحسب قوله- أن كلها لم يتم اختراعها بمساعدة أمريكا فالسيادة في هذا المجال أمر استثنائي.

وأضاف: «تلك الاختراعات عددها يمثل عشرات التريليونات من الدولارات.. ويمكن القول مثلاً أنها في مجال الرعاية الصحية أضافت 4 مليارات سنة لحياة البشر ما يمثل قيمته 500 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية».



موجات تغير الابتكار

ولفت إلى وجود 4 موجات في الحد الأدنى تغير فيها الابتكار، حيث كانت معظم الابتكارات تتم من خلال مخترعين أفراد وأعداد صغيرة من الأشخاص كباحثين في مختبرات ومعامل خاصة، ثم على الدول تعزيز قدرتها التصنيعية فكان الاستثمار في بناء هيكلية وطرق وقطارات وغيرها من المتطلبات فتحول الابتكار للتصنيع ومراكز أبحاث وتطوير لعشرات السنين.

وبعد الحرب العالمية الثانية -وفقاً لجونج- بات هناك صعود لطبقة المستهلكين وأصبح من الضروري تصنيع الأشياء بكميات تكفي مئات الملايين من الناس، ليتم الانتقال لمستوى أعلى من الابتكار على مستوى الدول ثم الابتكار متعدد الجنسيات.

وفي السبعينات وجد أن الابتكار بشكله ليس كافياً، ليظهر مفهوم الشركات الناشئة والتي شكلت الموجة الرابعة من التطور في الابتكار، حيث الشركات الناشئة أدت لتقنيات كاسحة وغيرت من طبيعة الاقتصاد.

وأضاف: «الموجات الثلاثة كان لها عنصر ارتباط بالأشخاص الذين جعلوا العلوم تتصدر الميدان وعباقرة خلقوا بيئة تنافسية وجعلوها تتجسد.. ولهذا حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على النصيب الأكبر من المخترعين والمبتكرين.. وتشجيعا لهم أسميت تلك المرحلة «قوة الفرد»، بجعل فرد أو شخص أو معمل أو دولة هي الأكثر نجاحاً لهذا سادت أمريكا في هذا الميدان».

وقال: «لو حللنا كل المشكلات من خلال مؤسسة واحدة فستصبح المشكلات الكبيرة أكبر من أن تحلها دولة واحدة، وأعتقد أنه لن تنجح أي دولة في تكرار ما فعتله الولايات المتحدة الأمريكية»، مؤكداً على الحاجة لنموذج جديد للابتكار ونظام جديد للمحفزات إضافةً لتطوير التكنولوجيا والتمويل والبحث والتطوير، لمواجهة التحديات العالمية الكبرى في العالم حاليا مثل: بناء مدن فعالة ومواجهة تغيّر المناخ وسبل التعليم والشيخوخة.



ابتكار المستقبل

وأكد جونج أن تلك المشكلات تتطلب تعاون عشرات الآلاف من الشركات، على الرغم من أن النظام الذي كان قائماً على مدار الأعوام الماضية لا يدعم هذا التعامل بل يدعم المنافسة والملكية على حساب المشاركة، مبدياً اعتقاده أن الابتكار في المستقبل يمثل طريقة جديدة في قوة الجميع بدل الفرد، فلا بد أن يكون هناك نظام به عدد كبير من المخترعين والابتكارات والقادة والمصنعين الذين تتضافر جهودهم على المستوى الدولي لحل المشكلات.

وضرب أحدث الأمثلة بهذا السياق في التعامل مع الأبحاث والتطوير لمواجهة فيروس «كوفيد-19»، حيث أظهرت البيانات أن الانتقال تم من قوة الفرد لقوة المجموعة انتقالاً لأحدث الأمثلة في إعداد اللقاح، قائلاً: «كنا أسرع بـ20 مرة عما كنا عليه في السابق، و5 مرات مضاعفة في الأبحاث والتطوير عالمياً، وكان لدينا 10 أضعاف من التجارب السريرية.. ما يوضح وجود آليات جديدة للعمل».

وأضاف أن كل دولة شاركت في البحوث والتنمية، فكان نظاماً جديداً انبثقت عنه آلية جديدة للمشاركة غير المسبوقة والحاجة بشكل تنافسي للسرعة والابتكار، فكان متوسط النجاح للاستثمارات في البحوث والتنمية انخفض لـ33%، ومنتج ناجح في التجزئة انتقل من 12 عاماً إلى 4 أعوام.

قوة الدول الصغيرة

وقال إنه بالنظر إلى مؤشر بلومبيرغ العام الماضي، كانت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الـ11، وبالنظر إلى الـ10 دول التي تتقدمها فجميعها بلدان صغيرة، موضحاً: «الدول الصغيرة تنافسية فيما يتعلق بالابتكار.. نحن اليوم ندخل عصراً جديداً من الابتكار بأهمية العصر الذهبي سابقاً من استخدام المحتوى والذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، هذا نمو كبير للمستقبل لكن يجب إدراك أن هذه الابتكارات مختلفة وخطيرة.. فالعملات المشفرة والجينات لديها إمكانيات خلق معوقات اجتماعية أكثر من البلاستيك وأشباه الموصلات.. ونحن نعمل على الابتكارات لتكون قيمة ومنتجة والعالم يحتاج للابتكار في السياسات والأنظمة بقدر احتياجه للتكنولوجيا».

الإمارات رائدة استثنائية

بيّن إدوارد جونج أن الدول الصغيرة يمكن أن تكون مرنة في تغيير السياسات التي تسمح لها اعتماد تكنولوجيات جديدة بطريقة لا يمكن تطبيقها في الدول الكبيرة، حيث يمكنها التحرك بطريقة سريعة، ما سيؤدي إلى جيل مقبل للتكنولوجيا كما يمكنها تحديث البنية التحتية أسرع بكثير.

ولفت إلى أن التنسيق الاجتماعي القوي يخلق سلوكيات أكثر مسؤولية، ومثال على ذلك أداء دولة الإمارات الناجح خلال فترة جائحة «كوفيد-19»، حيث لم يتعلق الأمر بالعلوم بل بالتنسيق الاجتماعي المسؤول، لأن السلوكيات المسؤولة من الصعب وجودها.

وشدد على أن المستقبل في قوة الدول الصغيرة، قائلاً: «في الحقيقة.. أرى أن الإمارات كانت تعمل على قيادة الثورة المقبلة للابتكار والعمل على إثارة الأذهان الكبيرة.. ولن تحل المشاكل من النظام القديم بل يجب أن تكون هناك جهود منسقة لإحداث تغيير»، مبيناً أن الإمارات يمكن أن تكون رائدة استثنائية لقيادة هذا النظام.

بنية تحتية اقتصادية

يرى جونج، الذي أسس أكثر من 12 شركة ناشئة ويقدم استشاراته بشأن الابتكار للعديد من المؤسسات، أن هناك فرصة لظهور كمٍّ هائل من الابتكارات الجديدة، لأن كل مدينة هي أساساً بنية تحتية اقتصادية للابتكار، وبناء مدينة باستخدام الابتكارات الجديدة من شأنه تقليل كلفة نشر الابتكارات ورفع الطلب عليها، موضحاً أنه بتصميم مدينة بشكل مختلف قليلاً، يمكن تسهيل ربطها بأشياء جديدة وفصل العناصر القديمة عنها، بنفس السهولة التي نشتري بها التطبيقات من متجر أبل ستور.

اقتصاد الحكمة

وشرح إدوارد جونج أن هناك مشكلة تكمن في شيخوخة سكان العالم، معتقدا أن شركته (إنتليكتشوال فنتشرز) يمكنها القيام بدور مهندس الابتكار في حلها، بسبب ارتفاع تكلفة رعاية المسنين بارتفاع التكاليف الطبية مع التقدم في العمر، مع تقلص عدد العمال المنتجين الذين يدفعون تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة، حيث يستلزم الأمر خفض النفقات وزيادة الإيرادات لمعالجة وجهي المشكلة، عبر مشروع يسمى «اقتصاد الحكمة»، وهو نظام هندسي ضخم لاقتصاد الابتكار يحسن إنتاجية القوى العاملة المتضائلة للشباب وإنتاجية كبار السن، ويوفر منصة للطب التشخيصي والعلاجي الذي يحفز المزيد من الابتكار وينقل التركيز من مرحلة الرعاية المركزة إلى مرحلة الرعاية المزمنة.

وقال إن بنية شركته ستسمح لها بأداء وظيفة غير عادية من خلال ابتكار الاختراعات في مختبرها الخاص، والعمل مع شبكة من المخترعين، والاستثمار في الشركات الناشئة، والشراكة مع الحكومات، حيث يمكنها أن تكون بمثابة مهندس التخطيط الأساسي الذي ينسّق الابتكارات التي تسهم في حل المشكلات العالمية الكبرى.