سامي جولال

في الوقت الذي تنكب فيه الحكومة التونسية، بقيادة نجلاء بودن، على إعداد حزمة من الإجراءات، لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي تراكمت خلال السنوات الماضية، شكل الاتحاد العام للشغل في تونس (قوة نقابية ضخمة في البلاد)، وصندوق النقد الدولي، معادلة صعبة تكثف الحكومة التونسية الجهود لحلها، إذ يصر الاتحاد العام للشغل على رفع الأجور، في حين يشترط صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية خفض كتلة الأجور، للحد من العجز المالي المتفاقم، لاستئناف المفاوضات. وفي هذا السياق، اجتمعت رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، ورئيس الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، هذا الأسبوع. وتناول اللقاء، بحسب بلاغ لرئاسة الحكومة التونسية، الوضع العام في البلاد، وسبل إرساء حوار دائم ودوري بين الحكومة والمنظمة الشغيلة حول أهم القضايا التي تهم التونسيين؛ مثل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين، ومقاومة غلاء الأسعار، في حين قالت صحيفة الشعب التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل إن «الزيادة في الأجور وتعديل الأجر الأدنى، من بين النقاط الخلافية بين الطرفين».وأوضحت شخصيات تونسية تحدثت لـ«الرؤية» أن «المعادلة صعبة جداً، وأن أية زيادة الآن في أجور الوظيفة العمومية، ستغلق تقريباً باب صندوق النقد الدولي في وجه الحكومة التونسية، وأن شد الحبل بهذا الشكل يعقد الوضع في البلاد، وأنه يجب أن تلجأ الحكومة التونسية إلى حل وسط لا تخسر معه لا الاتحاد العام للشغل ولا صندوق النقد الدولي».

معادلة صعبة

وقال وزير التجارة التونسي السابق، وعضو المكتب السياسي لحزب «حركة الشعب» التونسي، محمد مسيليني، إن «شد الحبل بهذا الشكل بين الجهات المانحة، والاتحاد العام التونسي للشغل، بينما الحكومة التونسية واقعة في الوسط، يؤدي إلى عدم الاستقرار، وغياب التنمية والاستثمارات في البلاد».

ومن جانبه، أفاد الخبير الاقتصادي والمالي التونسي، عز الدين سعيدان، «أن الحكومة التونسية الآن واقعة بين مطرقة صندوق النقد الدولي، الذي يرفض صرف القروض دون تقديم برنامج إصلاحات مقنع، وسندان الاتحاد العام للشغل، الذي يقول إن هناك تضخماً مالياً، وارتفاعاً في الأسعار، وتدنياً في القدرة الشرائية، وبالتالي لا بد من تعديل الأجور».

حل وسط

وبخصوص الحل الذي يمكن أن تلجأ إليه الحكومة التونسية، لإرضاء الاتحاد العام للشغل، وصندوق النقد الدولي، معاً، بيَّن مسيليني، في حديث مع «الرؤية»، أنه فيما يتعلق بالأجور، فمن الأفضل التحدث عن القدرة الشرائية للمستهلك، بدلا من الحديث عن رفع الأجور، لأن ذلك يؤدي في بعض الحالات إلى خسارة على مستوى القدرة الشرائية، إذا لم يتم التحكم في الارتفاع الجنوني للأسعار، وأن التعديل في الأجور في بعض الحالات ضروري، ولكن ليس تعديلاً شاملاً، إذ يمكن أن يتم بطرق مختلفة؛ مثل تحسين القدرة الشرائية، من خلال التحكم في الأسعار، وتخفيضها، وتكثيف الرقابة عليها، ومقاومة الاحتكار، والحد من التوريد، وتحسين أداء الدينار حتى لا ينزلق، وهي كلها إجراءات تساعد، بحسب مسيليني، على تحسين القدرة الشرائية للمواطن التونسي، وتخلق حالة من الارتياح لدى منظمة الشغيلة، وكل المتدخلين الاجتماعيين، لأن القدرة الشرائية للمستهلك ستتحسن»، مردفاً أنه «في المقابل يجب على الحكومة التونسية إقناع صندوق النقد الدولي بأن هذا يدخل في إطار التحكم في عجز الميزانية، وتحسين أداء المالية العمومية والمناخ الاقتصادي». وأضاف مسيليني أن «الحكومة التونسية مطالبة أولاً بتوضيح رؤية المالية العمومية، والأوضاع العامة للبلاد، أمام الاتحاد العام للشغل، الذي يعتبر منظمة وطنية تتفهم الأوضاع العامة في البلاد، ولكن تريد أن ترى إجراءات إصلاحية قادرة على مواجهة هذا الوضع".

وضع صعب

ومن جهته، أكد الخبير الاقتصادي والمالي التونسي، عز الدين سعيدان، في تصريحات لـ«الرؤية»، أن «أية زيادة الآن في أجور الوظيفة العمومية، ستغلق تقريباً باب صندوق النقد الدولي في وجه الحكومة التونسية، للحصول على أي تمويل من هذه المؤسسة»، موضحاً أن تونس تتقدم هذه المرة إلى صندوق النقد بمصداقية مهتزة نوعاً ما، لأنها تقدمت في عام 2013 بطلب إلى الصندوق للحصول على قرض، مقابل برنامج إصلاحات، لكنها لم تلتزم، بحسبه، بذلك البرنامج، وتمت معاقبتها بعدم صرف القسط الأخير، ثم تقدمت من جديد بطلب قرض قيمته 2,9 مليار دولار من الصندوق في عام 2016، مقابل برنامج إصلاحات هو تقريباً نفسه الخاص بقرض 2013، ودافعت تونس عن طلبها، حينها، بوجود دستور جديد، وإجراء انتخابات جديدة، وحكومة جديدة، ما يؤكد الالتزام، ولكن لم تلتزم تونس مرة أخرى، بسبب الصراعات بين الاتحاد العام للشغل، والحكومة، والأحزاب، وتمت معاقبتها بإلغاء قسط كبير من القرض.

وأوضح سعيدان أن الحل الأخير، إذا أرادت تونس الحصول على القرض أو التمويل، هو التقدم ببرنامج إصلاحات فعلي ومقنع، ومن ضمنه السيطرة على كتلة الأجور والتحكم فيها، سواء كان ذلك بعدم الزيادة، أو بإيجاد توافقات مع الاتحاد العام للشغل في اتجاه ربط أية زيادة في الأجور بنسبة النمو الاقتصادي في تونس، لأن الإشكال في تونس، وفق سعيدان، يكمن في أن الأجور في الوظيفة العمومية قد ارتفعت بمعدل 8% سنوياً منذ 2011، بينما نسبة النمو الحقيقية المسجلة في تونس في الفترة الأخيرة كلها منذ 2011 هي تقريباً صفر»، بحسب سعيدان، الذي أبرز أنه «ليس من المؤكد قبول الاتحاد العام للشغل بهذه الحلول».

ومن جانبه، أفاد عضو المكتب السياسي لحزب «حركة الشعب التونسي»، محمد بوشنيبة، بأن «مرور تونس منذ فترة بوضع اقتصادي حرج، دفع حكومة نجلاء بودن إلى اللجوء، على غرار الحكومات السابقة، إلى صندوق النقد الدولي، وفق ما أعلنت عنه عند إصدار قانون مالية عام 2022».

إقرأ أيضاً..إدانات عربية واسعة لحرق متطرفين نسخة لـ«المصحف» في السويد

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

ضغط مزدوج

وأضاف بوشنيبة، في تصريحات لـ«الرؤية»، أنه «منذ ذلك الحين تحاول الحكومة التونسية التواصل في اتجاهين؛ أولهما صندوق النقد الدولي، من أجل التوصل إلى تفاهمات معه، لتحصل بموجبها على قرض لتمويل ميزانية الدولة، وفي الاتجاه الآخر تدخل الحكومة في مفاوضات اجتماعية مع الشريك الاجتماعي (اتحاد الشغل)، قصد التوصل إلى تفاهمات معه، تفضي إلى هدنة اجتماعية تسمح للحكومة بالتعاطي مع الأوضاع، دون ضغط من الاتحاد التونسي للشغل». وأكد بوشنيبة أن المعادلة صعبة، بل تكاد تكون مستحيلة، نظراً للتقاطب بين ما يطلبه صندوق النقد الدولي، حتى يقبل منح القرض، وبين مطالب اتحاد الشغل والخطوط الحمراء التي يضعها، لا سيما فيما يتصل «برفض التفويت في المؤسسات العمومية، والانخراط في الخصخصة»، مردفاً أن الحكومة التونسية عملت على تقريب وجهات النظر، وإمساك العصا من المنتصف، ويبدو أنها قد توصلت مؤخراً إلى حل، حيث نجحت، بحسبه، في عقد اتفاقيات مع الاتحاد العام للشغل من جهة، وتوصلت إلى وعود مهمة من الطرف المانح، إذ يتوقع أن تحصل الحكومة التونسية قريباً على قرض بقرابة الاثنين مليار دولار.