يعيش التونسيون أوضاعاً اقتصادية صعبة، عزاها محللون وخبراء تحدثوا لـ«الرؤية»، إلى العشرية السوداء التي خضعت فيها البلاد لحكم حركة النهضة الإخوانية، وهو ما يفسر الالتفاف الشعبي حول قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، بحل البرلمان الإخوان، والذهاب نحو مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لدعم اقتصاد البلاد والحيلولة دون الانهيار الحاد في القطاع الاقتصادي.وقالت تونس، الأربعاء، إنها رفعت أسعار الوقود نحو 5% للمرة الثالثة هذا العام، في مسعى لكبح عجز الميزانية، وذلك في تحول للسياسة يريده المقرضون الدوليون.وتحاول تونس، التي تعاني أسوأ أزماتها المالية، الاتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات لا تحظى بشعبية تشمل تخفيضات في دعم الوقود والغذاء.وتشمل الإصلاحات المقترحة على صندوق النقد الدولي زيادة أسعار الوقود والكهرباء وتجميد أجور القطاع العام، وهي خطوات رفضها بشدة أقوى اتحاد عمالي في البلاد والذي هدد بالإضراب العام.وقالت وزارة الطاقة إن ارتفاع الأسعار يرجع إلى الاضطرابات في أسواق الطاقة والمخاطر المرتبطة بانكماش الإمدادات وارتفاع أسعار النفط.وأضافت أن كل زيادة قدرها دولار واحد في سعر برميل النفط يترتب عليها احتياجات تمويل إضافية سنوية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز تبلغ نحو 140 مليون دينار.
10 سنوات من الردة
وقال الدبلوماسي التونسي السابق الباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية نوفل الزيادي، إن ما تعيشه تونس اليوم من أزمة اقتصادية واجتماعية كان النتيجة الطبيعية لتحويل وجهة الاحتجاجات الشعبية المشروعة ضد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إلى مكاسب صبت في مصلحة الإخوان على مدى 10 سنوات. وأضاف الزيادي في تصريحات خاصة، أن: البلاد عرفت طيلة 10 سنوات حالة من الردة العامة التي شملت كافة القطاعات من الصحة والتعليم والثقافة والنقل والبنية التحتية والأمن، فارتفعت معدلات البطالة والفقر والتفاوت الجهوي، وسجلت تونس مليون منقطع عن التعليم، وهو رقم لم تسجله أي دولة عربية، وارتفعت المديونية التي أصبحت تتجاوز 114 مليار دينار، وتحولت تونس إلى بلد سيئ السمعة في مجال الإرهاب.وتابع: لهذا لاقت قرارات الرئيس قيس سعيد ترحيباً في الشارع التونسي، لأن الناس كانوا ينتظرون منقذاً من الوضع الذي انتهت إليه البلاد، ولم يكن هناك أي سبيل للتغيير دون تجميد مجلس نواب الشعب، لأنه لا أمل في التغيير من داخل المنظومة التي صاغتها حركة النهضة لتأمين بقائها في الحكم. وتوقع الزيادي، أن تتوج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي باتفاق يساعد تونس على تفادي شبح الإفلاس، لافتاً إلى أن الحكومة بصدد التنسيق مع المنظمات الوطنية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لإبرام اتفاق ثلاثي حول إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وحسن التصرف في الموارد وترشيد نفقات الدولة.
ارتفاع الأسعار
من ناحيته، قال المحلل السياسي التونسي أكرم هميسي، إن: تونس تعيش نسبة ارتفاع كبيرة في أسعار جميع المواد الأساسية، وقد تصل البلاد نسبة عالية في التضخم، مرجعاً أسباب الانهيار الاقتصادي إلى العشرية السوداء التي تقلد فيها الإخوان المسلمون السلطة، وتمكين الموالين لهم من مفاصل الدولة، وتعيين آلاف الإخوان في الوظائف العمومية رغم عدم امتلاكهم المستوى العلمي المطلوب، ما تسبب في إثقال كاهل الدولة بكتلة كبيرة من الأجور. وأرجع هميسي في تصريحات خاصة، الانهيار الاقتصادي أيضاً إلى سوء الإدارة وتفشي الفساد المالي لعديد من السياسيين وخاصة الإخوان، كما كان البرلمان سبباً من أسباب عدم التقدم الاقتصادي للبلاد وكثرة الإضرابات في قطاعات حيوية. وأكد أن التونسيين استبشروا خيراً بتجميد البرلمان ثم حله، ولكن تبقى الإجراءات المتخذة ليست كافية لإنعاش الاقتصاد، وذلك لتفشي السوق الموازية وكثرة التهريب وعدم قدرة الدولة إحكام السيطرة على مسالك التوزيع، فاندثرت الفئة المتوسطة وأصبحت غير قادرة على توفير حاجياتها. وحذر من اندلاع حراك شعبي إن لم يتخذ الرئيس التونسي قرارات جريئة للخروج من الأزمة، لافتاً إلى أن تونس لها مؤسساتها ودبلوماسيتها العريقة القادرة على التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، رغم الشروط التي ستنعكس بالأساس على القدرة الشرائية للمواطن.
إقرأ أيضاً..«تليغراف» تكشف تفاصيل إطلاق قوة المهام الأمريكية بالبحر الأحمر استنزاف الوطن
وحمل عضو المجلس الوطني لحركة الشعب التونسية محمد شبشوب، حركة النهضة المسؤولية عما آلت إليه أوضاع التونسيين، لافتاً إلى أن تداعيات حكم الإسلام السياسي إجرام تواصل لمدة 10 سنوات، استنزفت فيها قدرة العامل والتاجر والمصنع، وأصبح المواطن في حيرة دائمة لتوفير قوته، وهذا نتيجة سياسات قاتلة اتبعها الإخوان للتركيع وإفقار وتجويع التونسيين، لتكتمل لهم عملية التمكن، وأضاف شبشوب في تصريحات خاصة، أن: التونسيين يتعاملون بشكل طبيعي مع الوضع، لأنهم مدركون سبب ما وصلت إليه البلاد، مطالبين بتحسين الأوضاع ومحاسبة حركة النهضة، المسؤول الأول عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، وتابع: نحن في حركة الشعب دعونا لتكثيف العلاقات الخارجية وتنويعها، وقلنا إن هناك شراكات جديدة يمكن لتونس الاستفادة منها، حتى لا نبقى في تبعية لأي جهة، وأعتقد أنه سيكون هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولي في جميع الأحوال، وهذا الاتفاق سيكون مقابله إجراءات موجعة تمس قدرة التونسي على التحكم بمصيره، وهو مؤشر خطير كنا نبهنا له في الحركة.