لا أحد يعرف على وجه الدقة، لماذا لم يتفق العرب على اعتبار يوم انتصارهم المجيد في السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان عام 73 عيداً قومياً عربياً للاحتفال به وفيه بالحرب المجيدة المقدسة التي حقق فيها الجيش المصري والسوري، وبمشاركة الدول العربية أول انتصار كاسح على إسرائيل وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر؟!
كيف اتفق العرب في لحظة تاريخية استثنائية على جمع قواهم العسكرية وتوحيد قرارهم السياسي، وحشد تأثيرهم الخارجي ليوم النصر والفخر والعزة، وفي يوم من أيام المصريين والعرب لا يتكرر في التاريخ كثيراً، وربما من الأيام النادرة. وكيف لا يتفقون على جعله يوماً وعيداً قومياً، يتذكرون فيه ويستعيدون فيه لحظة التوحد والجمع والحشد العربي والدماء الذكية المصرية والعربية التي سالت فوق أرض سيناء الطاهرة المقدسة؟!
سوف تظل حرب العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر رمزاً للفخر والعزة للمصريين بشكل خاص والعرب بشكل عام، حيث كان للدول العربية دور لا يُنسى في مساندة ودعم الجيش المصري لهزيمة إسرائيل، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح، ثم حطمت حصون خط بارليف، وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
قد لا يعرف الكثيرون من أبناء الجيل الحالي أو الجيل السابق أن حوالي 16 دولة عربية شاركت في الحرب، سواء بقوات وعتاد أو بقوات تطوع رمزية تعكس وقوف الشعب العربي من الخليج إلى المحيط مع جيشه العربي المصري في سيناء وجيشه العربي السوري في الجولان.
العراق أرسل إلي مصر سربين من طائرات «هوكر هنتر» وبلغ مجموعات الطائرات 20 طائرة، واستقرت في مطار قويسنا بمحافظة المنوفية، كما وقف العراق بجانب سوريا بقواته البرية.
المملكة العربية السعودية قامت بإنشاء جسر جوي لإرسال 20 ألف جندي إلي الجبهة السورية فور نشوب الحرب، كما قادت حظراً عربياً على تصدير النفط يستهدف بلدان العالم بشكل عام، وأمريكا وهولندا بشكل خاص؛ لدعمهم لإسرائيل.
وطلب الرئيس الجزائري هواري بومدين من الاتحاد السوفيتي شراء أسلحة وطائرات لإرسالها إلى مصر بعد علمه بنية إسرائيل الهجوم عليها، فكان رد الروس أن تلك الأسلحة ستكلف مبالغ ضخمة؛ فما كان من «بومدين» إلا أن قام بإرسال شيك لهم قائلاً: «اكتبوا المبلغ الذي تريدونه»!
وأثناء زيارته للندن خلال حرب أكتوبر، قرر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة قطع النفط عن إسرائيل والدول التي تساندها قائلاً: «النفط ليس أغلى من الدم العربي»، وتبعته في ذلك الدول العربية، وكان عاملاً قوياً للضغط على الدول الأجنبية. وأرسلت الإمارات المتطوعين، في مقدمتهم رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
ولا ننسى الدماء الكويتية التي سالت فوق أرض سيناء، فمن بين الجنود الذين شاركوا في حرب أكتوبر المجيدة استشهد نحو 50 جندياً كويتياً. وقامت الكويت بإرسال 5 طائرات «هوكر هنتر» إلي مصر، بالرغم من امتلاكها 8 طائرات فقط، كما بعثت طائرتين من طراز سي 130 هيركوليز لحمل الذخيرة، ومنحت ليبيا مليار دولار مساعدات لشراء أسلحة عاجلة خلال حرب 1973.
وشاركت القوات الأردنية في الحرب على الجبهة السورية بإرسال اللواء المدرع 40 واللواء المدرع 90، كما شاركت الأردن في خداع المخابرات الإسرائيلية، حيث تم رفع استعداد القوات الأردنية إلي الحالة القصوى يوم 6 أكتوبر؛ ما أثار قلق إسرائيل ودفعها إلي إبقاء جزء من جيشها في إسرائيل للتصدي لأي هجوم محتمل على تل أبيب.
وأرسلت المملكة المغربية لواء مشاة في الجمهورية العربية إلى الجبهة السورية وسميت بـ«التجريدة المغربية»، وتم وضع اللواء المغربي في الجولان، كما أرسل المغرب قوات إضافية للقتال برفقة الجيش العربي السوري مدعومة بـ52 طائرة حربية، 40 منها من طراز f5، بالإضافة إلى 30 دبابة.
السودان كان من أوائل الدول التي أعلنت دعمها الكامل لمصر، حيث نظمت مؤتمر الخرطوم، والذي تم الإعلان من خلاله عن ثلاثية «لا» وهي لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وأرسل السودان فرقة مشاة على الجبهة المصرية، كما لم تتردد في نقل الكليات العسكرية المصرية إلى أراضيها.
وأرسلت تونس إلي مصر كتيبة مشاة قبل الحرب، كما أعطتها 5 طائرات «هوكر هنتر». ولا أحد يستطيع إنكار دور اليمن في غلق مضيق باب المندب على إسرائيل، وقامت قوات المقاومة الفلسطينية بنصب الكمائن وزرع الألغام وتنفيذ الغارات على تجمعات العدو الإسرائيلي؛ ما شغل العدو عن المخابرات المصرية.
هذه أيام العرب المجيدة، ويجب الإلحاح على الذاكرة العربية الجمعية بتذكر تلك الأيام، حتى لا ننسى ونفقد الثقة في أنفسنا على صنع المستحيل إذا توحدت كلمتنا وقرارنا. كل نصر والعرب طيبون.