عندما تشاهد التلفاز وفي يدك جهاز التحكم عن بعد وتستمع للمذيع يقول: «فاصل ونعود» أو «فاصل ونواصل» ماذا ستفعل؟
لا شك لدي أن بعض الناس سيضغطون على زر «الصامت» لحين انتهاء الإعلانات، التي تعلموا توقعها بعد مثل هاته الجمل، التي يرددها المذيعون عبر مختلف القنوات التلفزيونية. بعض الناس يرونها فرصة لرحلة استكشافية سريعة بين القنوات لعل إحداها يعرض شيئاً آخر يستحق المشاهدة.
في الماضي لم يكن الأمر بهذا الأسلوب، الإعلانات لا تقطع البرامج أو الأخبار، وكانت تأتي بين البرامج وهذا يجعلها مقبولة أكثر، حيث إن الإعلان في وسط البرامج يقطع سياق البرنامج ويخبر المشاهد بأن الإعلان لا يكترث لما يعرض عليه، بل كل ما يهم هو الإعلان أو بالأحرى من يعرض الإعلان ومن يشتريه وأن أن تصل رسالته لأكبر قدر ممكن من الناس، حتى لو تعارض مع أفكار البرامج التي يقطعها.
أذكر برنامجاً في إحدى قنواتنا المحلية كان يناقش موضوع التربية في المنزل وقطع البرنامج بالإعلانات، وبعد الإعلان اتصلت مشاهدة بالبرنامج لا لتسأل بل لتستنكر.. كيف أن رسالة الإعلان تسير ضد رسالة البرنامج!
اعتذر المذيع وذكر أن الأمر خارج نطاق سيطرته!
يتعرض الفرد الأمريكي لـ5 آلاف إعلان يومياً مقارنة بـ500 في السبعينات من القرن الماضي، ولا شك لديّ أن الفرد في أي دولة أخرى يتعرض اليوم لعدد مماثل أو أقل قليلاً من الإعلانات عبر الهاتف النقال والتلفاز وفي الشارع وعلى البنايات وحتى في المستشفيات عندما ينتظر الناس في قاعات الانتظار هناك تلفاز لا يمكن إسكاته، بمعنى آخر الإعلان في كل مكان وقد تعب الناس منه وتعلموا تجاهله أو حتى حجبه متى استطاعوا ذلك.
«إنهاك الإعلانات» مصطلح يستخدم لوصف هذه الظاهرة، تعرض الفرد للآلاف من الإعلانات لا يعني أنه سينتبه لها كلها، بل على العكس سيعمل على تجاهل معظمها فهي مكررة ومزعجة وغير مهمة بالنسبة له فانتباهه له طاقة محدودة ولا يود إنفاقها على الإعلانات.
لا عجب أن تظهر دعوات ضد الإعلانات، وقد بدأت مدن عدة حول العالم في تقليل التلوث البصري الذي تسببت فيه الإعلانات، وذلك بمنعها في الساحات العامة وعلى البنايات، مدينة ساو باولو البرازيلية فعلت ذلك في 2007 ومنعت حتى المحال من وضع لافتات كبيرة، فوجد أصحاب المحال أنفسهم بحاجة لكسب ثقة الناس بخدماتهم ومنتجاتهم بدلاً من ملاحقتهم بالإعلانات وإزعاجهم بها.