أيمن سمير

روسيا تسعى لتوسيع جمهورية نوفوروسيا الاتحادية لتشمل كامل أراضي شرق وجنوب أوكرانيا

موسكو ترى في أراضي شرق نهر «دنيبرو» مانعاً طبيعياً ضد المعارضين لمشروعها في غرب أوكرانيا

المناطق الشرقية تدخل في حرب عصابات تجهّز لها أوكرانيا والغرب من الآن

فشل سيناريوهات «الحرب الخاطفة» و«الفأر في الغرفة» يدفع أوكرانيا إلى سيناريو التقسيم

قبل وبعد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا جرى طرح سلسلة من السيناريوهات المختلفة للواقع الميداني وتحرك القوات الروسية والأوكرانية على الأرض، وتقدم سيناريو الحرب الخاطفة والسريعة أو«اللدغة القاتلة» على باقي السيناريوهات خلال الأسبوع الأول من العمليات العسكرية؛ نظراً لأن روسيا بدأت الاجتياح بنحو 100 ألف جندي من 4 محاور رئيسية، هي الشمال من بيلاروسيا باتجاه العاصمة كييف، والشمالي الشرقي المؤدي الى خاركييف، والشرقي في إقليم دونباس، والمحور الرابع كان من الجنوب الشرقي والساحل الجنوبي القريب من أوديسا وبحر أزوف وخليج كيرتش، وفي إطار هذا السيناريو جرى الحديث طويلاً عن احتلال كييف وتغيير نظام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى حكومة موالية لروسيا على غرار الحكومة التي كانت قبل مارس 2014 عندما سيطر الموالون للولايات المتحدة والغرب على الحكم.

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

الفأر في الغرفة

لكن مع منتصف مارس الماضي ومرور نحو 3 أسابيع على الحرب تأكد أن سيناريو الحرب الخاطفة لا يمكن تطبيقه على الأرض، خاصة في ظل المقاومة الشرسة من القوات الأوكرانية، وبقاء الرئيس الأوكراني في العاصمة، واستفادة الأوكرانيين من السلاح الغربي، وخبرة 8 سنوات في الحرب في إقليم دونباس منذ عام 2014، وهو ما أدى إلى استعصاء جميع المدن الكبرى على السقوط في يد القوات الروسية، ومنها

خاركيف وأوديسا وماريوبول وتشيرنهيف، وغيرها

وهنا جرى الحديث عن السيناريو الثاني، وهو «الفأر في الغرفة»؛ بمعنى أن القوات الروسية تقوم بتطويق المدن الكبرى دون الدخول إليها لأهداف كثيرة، منها التخفيف من إراقة الدماء، وعدم تدمير البنية التحتية، وجرى طرح هذا السيناريو في فترات كثيرة طوال الأسابيع الأربع الأولى من الحرب.

من أجل عيون دونباس

لكن مع اكتمال عقد الشهر الأول وإعلان وزارة الدفاع الروسية أن عدد القتلى بين صفوفها تجاوز 1300 قتيل ونحو 3000 جريح، بدأت روسيا مرحلة جديدة وهي إعادة التموضع. وتشرح صور الأقمار الصناعية التي نشرتها «سي إن إن» وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية أن القوات الروسية تغادر محيط كييف ومحطة «تشيرنوبل» التي سيطرت عليها في الأسبوع الأول باتجاه شمال أوكرانيا نحو الحدود البيلاروسية، وهو ما دفع وزارة الدفاع الروسية للإعلان في بيان رسمي بأنها، وفي سبيل إعطاء فرصة لنجاح المفاوضات، قررت إعادة التموضع والانسحاب بعيداً عن المناطق المحيطة بكييف، وهو أمر دعمته صور للأقمار الصناعية التي قالت إن أرتال من المدرعات الروسية تتجه شمالاً، وهنا يأتي السؤال: لماذا إذن ذهبت القوات الروسية وحاولت دخول كييف وغيرها من المدن الكبرى، والآن تسعى للابتعاد عنها وإعادة التموضع؟ ولماذا كل الخسائر التي وقعت في الجانبين؟

قنبلة دخان

وفق رواية موسكو التي أعلنتها وزارة الدفاع الروسية، فإن محاصرة كييف وغيرها من المدن ساهمت في تشتيت القوات الأوكرانية بعيداً عن الحدود مع إقليم دونباس، وأن ارتداد الجيش الأوكراني للدفاع عن كييف وغيرها من المدن الكبرى كان مقصوداً من جانب هيئة الأركان الروسية التي تقود الحرب بهدف بقاء الجنود والقوات الأوكرانية لتدافع عن تلك المدن حتى تستطيع القوات الانفصالية في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك من السيطرة على كامل أراضي الجمهوريتين، وهي رواية تعترض عليها الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث أصدرت المخابرات البريطانية تقييماً السبت 2 أبريل الجاري، قالت فيه، إن تراجع القوات الروسية بعيداً عن كييف والمدن الكبرى يعود لخسائر بشرية هائلة، وتحدثت عن مشاكل في الإمداد والتموين للجيش الروسي، وضعف في أداء الطيارين الروس، وخلصت إلى أن السيادة الجوية على الأجواء الأوكرانية متنازع عليها بين الطيران الروسي والأوكراني، وربما هذا يفسر قدرة المروحيات العسكرية الأوكرانية في عبور الحدود الروسية وقصف مقاطعة بيلغورود داخل الأراضي الروسية نفسها.

سيناريو برلين

بعيداً عن رواية كل طرف لمجريات وتفاصيل وخسائر الحرب، هناك مجموعة من الحقائق متفق عليها بين الجانبين وهي:

1- لا يوجد الآن أي محاولة للسيطرة على كييف أو تغيير الحكومة الحالية برئاسة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ويدعم هذه الحقيقة تراجع القوات الروسية عن السيطرة على المدن الكبرى، مثل خاركيف وتشير نايف.

2- الاكتفاء الروسي فقط بتوجيه ضربات بعيدة وبالصواريخ المجنحة، مثل كينجالالى المدن والمناطق الأوكرانية البعيدة في الغرب، مثل لفيف التي لم تشهد هي أو محيطها أي محاولة لإنزال المظليين الروس منذ بداية الحرب.

3- تتركز غالبية العمليات العسكرية الروسية للسيطرة على مناطق في الشرق والجنوب خاصة في دونباس، وخيرسون، وماريوبول، وبحر أزوف، وخليج كيرتش، والساحل الجنوبي بالكامل.

4- إرسال مساعدات إنسانية روسية من إلى المناطق الشرقية في أوكرانيا لكسب تأييد المواطنين هناك، بالتزامن مع فتح ممرات إنسانية لوصول سكان هذه المناطق إلى روسيا وليس إلى دول الغرب، مثل بولندا والمجر. ووفق وكالة تاس الروسية وصل نحو 450 ألفاً من سكان تلك المناطق إلى روسيا.

5- كانت أوكرانيا تدرك هذه الخطة الروسية قبل بدء الحرب، لذلك حشدت نحو 150 ألف جندي في المناطق الشرقية، بالإضافة إلى نحو 45 ألف من القوات الشعبية الخاصة الذين تصفهم موسكو بالنازيين، وهؤلاء ما زالوا يقاومون في دونيتسك ولوجانسكو ماريوبول حتى الآن، بحسب مركز دراسات الدول المستقلة، وهذه الحقائق تقول إن روسيا سوف تركز كل أهدافها على المناطق الشرقية والساحل الجنوبي، وهي المناطق التي يفصلها نهر «دنيبرو» عن المناطق الغربية، وهو سيناريو يشبه «تقسيم برلين» في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 عندما سيطرت فرق الجيش الأحمر السوفيتي على شرق برلين، بينما سيطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على الجزء الغربي من العاصمة الألمانية.

جمهورية نوفوروسيا الاتحادية

منذ عام 2014، وبعد سيطرة الموالين للغرب على الحكم في أوكرانيا، وطرد الرئيس يانكوفيتش الموالي لروسيا، يجري الدعوة والتسويق لتأسيس جمهورية «نوفوروسيا» أو روسيا الاتحادية الجديدة التي تضم بالأساس جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك، والآن بعد العملية العسكرية الروسية يجري توسيع هذه المناطق لتشمل كل الأجزاء الشرقية والجنوبية، وهو ما قاله صراحة مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، عندما قال: «بعد انسحاب سريع للروس من المناطق المحيطة بكييف ومن تشيرنيهيف يتضح تماماً أن روسيا اختارت أن تعطي الأولوية لتكتيك مختلف يقضي بالانعطاف نحو الشرق والجنوب، والحفاظ على السيطرة على الأراضي الواسعة المحتلة، وتثبيت أقدامهم هناك بطريقة قوية». وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.

حرب العصابات

رغم أن النظرة الروسية لمناطق شرق أوكرانيا كونها تتمتع بقيمة نسبية لصالح روسيا باعتبار سكان هذه المناطق من أصول روسية ويتحدثون الروسية، إلا أن الجيش الأوكراني قال في بيان رسمي إنه سوف يمارس حرب عصابات ضد القوات الروسية في المناطق التي تخضع لروسيا في شرق وجنوب أوكرانيا، وتستعد أوكرانيا ومعها حلفاؤها الغربيون لهذا السيناريو منذ بداية الحرب، فالولايات المتحدة التي كانت مترددة في البداية في إرسال معدات سوفيتية إلى أوكرانيا عادت لتوافق وزارة الدفاع الأمريكية على إرسال دبابات سوفيتية إلى دونباس في الشرق، كما أن نوعية الأسلحة التي ترسلها واشنطن وحلفاؤها لأوكرانيا تخدم فكرة حرب العصابات والحرب الطويلة، لأن صواريخ ستينجر وغافلين يمكن استخدامها من جانب عناصر غير عسكرية بعد تدريب بسيط، كما جرى في أفغانستان أثناء الاحتلال السوفيتي، كما أن وصول المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا يعني أن الحرب سوف تستمر حتى في المناطق التي تسيطر عليها روسيا لكن بطريقة حرب العصابات.

وسجل نحو 100 ألف عنصر حول العالم رغبتهم في الذهاب لأوكرانيا وقتال الروس هناك، وكشف الرئيس الأوكراني عن وصول نحو 20 ألفاً بالفعل للأرضي الأوكرانية، كما أن روسيا نفسها قالت إنها قصفت معسكراً لتدريب العناصر القتالية الأجنبية قرب لفيف في 25 مارس الماضي، ناهيك عن إصدار الرئيس زيلينسكي قراراً يوسع بموجبه القوات الشعبية من 10 آلاف عنصر قبل الحرب إلى 2 مليون عنصر، وهو ما يعزز فرضية حرب العصابات في الجزء الشرقي من أوكرانيا، كما قال المفتش العام للقوات المسلحة الألمانية، إيبرهارد تسورن.

المؤكد أن الوصول إلى حل وسط يحقق مصالح الجميع عبر المفاوضات هو الطريق الصحيح لتطويق وإنهاء هذه الحرب، لكن كل سيناريوهات الحرب الطويلة أو الممتدة أو حرب العصابات والمستنقعات سوف تترك آثارها على الجميع، فليس هناك منتصرون في الحروب