تحركات دبلوماسية عربية نشطة وفي مختلف الاتجاهات، لا تقتصر على العلاقات العربية- العربية فحسب، بل امتدت لتشمل إسرائيل. حتى وقت قريب كان مجرد الإعلان عن استقبال مسؤول إسرائيلي رفيع في دولة عربية من المحرمات، تبدلت الأحوال مع التطورات الإقليمية والدولية، وبات السؤال الأبرز في الآونة الراهنة، ماذا يدور في الاجتماعات الثنائية أو متعددة الأطراف؟ المعلومات المتواترة لا تزيل غباراً ولا تبدد ضبابية. الحقيقة المؤكدة من وراء هذه اللقاءات، أن المنطقة في حالة مخاض عسير، فصاحبت هذه اللقاءات اجتهادات كثيرة، وحقائق قليلة، لكن لا جدال على أن ما تشهده المنطقة والعالم جد خطير، كما أنه لا خلاف على أن التحركات العربية الراهنة تحاول قدر المستطاع البحث عن موطئ قدم في النظام العالمي الآخذ في التبلور. السؤال هنا كيف تنتقل المنطقة العربية من خانة «المفعول به» إلى خانة «الفاعل»؟ هذا التساؤل تحديداً يعد التحدي الأبرز أمام مستقبل المنطقة، فلا يمكن استشراف المستقبل ونحن لا نزال عالقين في خلافات الماضي، كما أنه لا يمكن الحديث عن موقف عربي فاعل دولياً في ظل الخلافات البينية الحالية.
هل يعقل أن نتحدث عن ضرورة بلورة موقف عربي موحد، أو الانطواء تحت راية اقتصادية، أو عسكرية واحدة في مواجهة ما يُحاك للإقليم، ونحن لا نستطيع تكوين موقف موحد من القضايا التي تستنزف موارد المنطقة المالية والبشرية، وأوضح مثال ما يتعلق بالقمة العربية المقرر عقدها في الجزائر، نتيجة انقسام الرأي حول عودة سوريا من عدمه إلى البيت العربي الكبير، إذ تأجل موعد القمة إلى نهاية العام، ويلوح في الأفق تأجيلها لأجل غير مسمى. لا بد للأنظمة العربية أن تتعاطى مع التطورات الإقليمية أو الدولية أولاً بأول، وأن تتعامل معها وفق المستجدات. فالثابت اليوم متغير غداً وهكذا. القصد من ذلك أنه قبل الحديث عن دور عربي فاعل دولياً، لا بد من ترميم البيت من الداخل. البيت العربي من الداخل أوهن من بيت العنكبوت، هذه الحقيقة ظاهرة للعيان، غير أننا للأسف الشديد أدمنا دفن الرؤوس في الرمال. فإذا استمر التعاطي مع تطورات الحاضر والمستقبل، في ظل استمرار الخلافات والانقسامات الراهنة، فسنظل قابعين في خانة «المفعول بهم».
العالم بعد الحرب الروسية- الأوكرانية يتجه نحو التحالفات الكبرى، الكل يبحث له عن مظلة تقيه شر العواصف العاتية، فالعالم ذاهب نحو تعددية قطبية غير مألوفة، لا مكان فيها للدول المنفردة. كثيرون يرون أن خلاص المنطقة العربية يتمثل في إحياء فكرة القوة العربية المشتركة، لإحداث التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وقد يرى آخرون حلولاً أكثر فائدة. الأهم من هذا وذاك سرعة الوصول إلى الحلول وترجمتها على أرض الواقع.