الجنيه المصري أمام الدولار مواجهة يومية.. ولماذا؟
استقر أداء الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي نسبياً خلال تعاملات يوم الأحد، بعد الهبوط العنيف الذي مُني به عقب قرار المركزي المصري الأسبوع الماضي.
ووصل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي وفقاً لبيانات المركزي يوم الأحد 18.26 جنيه للشراء، و18.36 جنيه للبيع.
وفي أكبر بنكين حكوميين مصريين من حيث حجم الأصول والتعاملات، البنك الأهلي المصري وبنك مصر، شهد سعر الدولار هدوءاً نسبياً حيث سجل 18.28 جنيه للشراء، و18.38 جنيه للبيع.
وفي البنوك الخاصة، سجل سعر صرف الدولار في البنك التجاري الدولي هدوءاً ليصبح 18.25 جنيه للشراء، و18.35 جنيه للبيع.
وفي المقابل عالمياً، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي خلال تعاملات الأسبوع الماضي قرب مستوى 99 نقطة مقابل سلة من العملات الرئيسية أو ما يعادل 0.61% وصولاً إلى مستويات عند 98.82 نقطة.
طلب رسمي
وأتى ذلك بعد أن أعلنت الحكومة المصرية، في بيان رسمي، تقدمها بطلب إلى الصندوق لبدء المشاورات بين الطرفين بخصوص برنامج جديد، يهدف إلى مساندة الدولة في خططها الخاصة بالإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل، وقد يتضمن البرنامج تمويلاً إضافياً.
وأكد وزير المالية المصري محمد معيط، وفقاً للبيان، أن البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي لا يتضمن أيّ أعباء إضافية على المواطنين، وإنما يستهدف الحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، واستدامة معدلات النمو الإيجابي الغني بالوظائف، والحفاظ على مسار متراجع لمعدلات العجز والدين للناتج المحلي الإجمالي، من خلال المضي قدماً في توفير فرص أكبر للقطاع الخاص في عملية التنمية، على نحو يؤدي إلى تعزيز مساهماته في النشاط الاقتصادي.
وأضاف الوزير أن «شهادات الثقة المتتالية التي يحظى بها الاقتصاد المصري من مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية، تؤكد أن مصر تمضي على الطريق الصحيح، وأن اقتصادها قادر على تحقيق المستهدفات حتى مع هذه الأزمة والصدمة العالمية الطاحنة، مثلما كان قادراً على احتواء تداعيات جائحة كورونا».
وأكد الوزير أن هناك تكليفاً رئاسياً بالحفاظ على المسار الاقتصادي الآمن للدولة، وصون مكتسبات الإصلاح الاقتصادي، على نحو يجعل الحكومة قادرة على تحقيق المستهدفات وتلبية الاحتياجات التنموية للمواطنين، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية وامتصاص أكبر قدر ممكن من الصدمات العالمية.
وأكد أن الحكومة تتابع عن كثب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الأسعار العالمية وسلاسل التوريد والإمداد التي تتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً بشكل كبير ومتسارع.
وقال معيط في بيان، إن الحكومة تخطط للتعامل الإيجابي المرن مع هذه التحديات الدولية وفقاً للسيناريو الأصعب الذي يفترض طول مدة الصراع.
وأوضح الوزير أن البيئة العالمية للاقتصاد باتت تشهد متغيرات متلاحقة تلقي بظلالها على مختلف اقتصادات الدول خاصة الدول الناشئة، وعلى ضوء ذلك تحرص الحكومة المصرية على اتخاذ كل الإجراءات والسياسات اللازمة لضمان استقرار الاقتصاد الكلي، واستدامة قدرته على التعامل المرن مع التحديات العالمية غير المسبوقة.
وأشار إلى تخفيف عبء هذه الأزمة العالمية على المواطنين والقطاعات الأكثر تأثراً، من خلال الاعتماد على المنهجية الاستباقية بخطوات داعمة للنمو والصناعة وللتصدير، بما يساعد في توفير المزيد من فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة المواطنين والارتقاء بالخدمات المقدمة إليهم.
وأضاف الوزير أن الحكومة قررت بدء المحادثات مع مسؤولي صندوق النقد الدولي للتشاور حول برنامج جديد للحفاظ على استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية، وتعزيز الإصلاحات الهيكلية الشاملة، وقدرة الاقتصاد المصري على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية، والتداعيات المحتملة في حالة استمرار الصراع في أوكرانيا، الذي يترتب عليه مضاعفة الضغوط العالمية على اقتصادات الدول، وتزايد حدة الموجة التضخمية، وما يرتبط بها من اضطراب في سلاسل التوريد والإمداد.
ماذا قال صندوق النقد الدولي؟
كانت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر سيلين ألارد، قالت إن السلطات المصرية طلبت دعم صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل.
وأضافت ألارد في بيان، أن «البيئة العالمية سريعة التغير والتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا تشكل تحديات مهمة للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مصر».
وأوضحت أن مجموعة من تدابير الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية من شأنها أن تخفف من تأثير هذه الصدمة على الاقتصاد المصري، وتحمي الضعفاء، وتحافظ على مرونة الاقتصاد المصري وآفاق النمو على المدى المتوسط.
وترى المسؤولة في صندوق النقد أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات لتوسيع الحماية الاجتماعية المستهدفة وتنفيذ مرونة سعر الصرف هي خطوات «مرحب» بها.
وبدأت مصر مسيرتها في الاقتراض من صندوق النقد الدولي عام 2016 بحصولها على قرض بنحو 12 مليار دولار لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، ونتيجة لتداعيات جائحة فيروس كورونا اضطرت للحصول على قرض بآلية التمويل السريع بقيمة 2.77 مليار دولار، والقرض الثالث بقيمة 5.2 مليار دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.
ما هو رأي الخبراء؟
من جانبه، قال مدير البحوث في شركة المروة لتداول الأوراق المالية، مينا رفيق، إن الأسواق الناشئة شهدت تخارجاً من المؤسسات الأجنبية هو ما أثر على أسعار الصرف وتسبب في ضغوط على معدلات النمو الاقتصادي، وهو ما حدث في مصر، ولذلك كان الاتجاه لصندوق النقد متوقعاً.
وأوضح رفيق، أن الجميع في العالم يعاني من ضغوط التضخم ومنها مصر، وكان تخفيض العملة المحلية المصرية أمراً لا بُدَّ منه لتشجيع دخول تدفقات أجنبية مرة أخرى في أذون وسندات الخزانة، وهو ما يؤدي إلى استقرار العملة، لافتاً إلى أن الجنيه ارتفع اليوم الخميس ليصبح الدولار بسعر نحو 18.3 جنيه بدلاً من 18.5 جنيه.
وأشار إلى أن تخفيض قيمة الجنيه يعزز من القدرة التنافسية للمصدرين، وسوف يحدث استقراراً وثباتاً في سعر الصرف، وتبعات القرارات الأخيرة لن تكون بالحدة المتوقعة.
وقال بنك «غولدمان ساكس»، إن خطوة مصر السماح بخفض قيمة عملة الجنيه المصري ستوقف تدفق رأس المال الأجنبي إلى خارج البلاد، وتعزز من فرصها في الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
ويقول فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في بنك «غولدمان ساكس»، في مذكرة بحثية نقلتها وكالة بلومبيرغ الاقتصادية: «يساعد ذلك في تحفيز تدفقات جديدة إلى السوق، حيث يدرك المستثمرون انحسار مخاطر المزيد من تخفيضات قيمة العملة، بل احتمال حدوث بعض الارتفاعات في الأشهر المقبلة».
وأشار سوسة إلى أن تلك الخطوة تمهّد الطريق لبرنامج صندوق النقد الدولي، الذي نعتقد أنه سيساعد في ترسيخ الثقة في المسار المالي والإصلاحي لمصر.
تأتي القرارات وسط تدفق نحو 15 مليار دولار للخارج من سوق الدين المحلي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، وفقاً لحسابات «غولدمان ساكس»، وتزامن ذلك مع إجراء الدولة محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خيارات مختلفة بما في ذلك خط ائتمان الوقاية والسيولة.
وقال جيمس سوانستون الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «كابيتال إيكونوميكس»، وفقاً لمذكرة بحثية: «إن تخفيض قيمة الجنيه خطوة جيدة لجعله يتماشى تقريباً مع قيمته العادلة، ويمكن أن تمهّد هذه الخطوة الطريق إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي».
وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت وكالة «موديز للتصنيف الائتماني»، إن قرارات البنك المركزي المصري برفع معدل الفائدة بنسبة 100 نقطة أساس والسماح بخفض قيمة العملة سوف يساعد على حماية احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وأكدت الوكالة أن هذه القرارات ستؤدي إلى عودة التدفقات الأجنبية ورؤوس الأموال، والتي كانت قد تأثرت بالأوضاع التمويلية العالمية الخانقة الناتجة عن الحرب الروسية- الأوكرانية.
يشار إلى أن قيمة الجنيه المصري انخفضت 14% الاثنين الماضي ليصل إلى 18.23 مقابل الدولار بالسوق الخارجي، مسجلاً بذلك أكبر انخفاض له منذ تخفيض قيمة العملة في نوفمبر 2016، والذي ساعد وقتها في إخراج البلاد من أزمة الدولار وتحويلها إلى سوق جاذب.
اجتماع استثنائي
وعقدت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، اجتماعاً استثنائياً، يوم الاثنين الماضي، وقررت رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.25% و10.25% و9.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.75%.
وتستهدف الحكومة المصرية، خلال هذه المرحلة، استمرار جهود تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية لضمان الحفاظ على مسار النمو الاقتصادي القوي والمتوازن والمستدام، وبما يضمن تحقيق التنمية الشاملة بمصر، مع استهداف زيادة دور ومساهمة القطاع الخاص في كافة أوجه الأنشطة الاقتصادية، بحسب السفير نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء.