ناصر عبدالله الربيعي، رئيس تحرير مجلة «باليت» – العراق
انتبهت في مقتبل شبابي إلى أهمية العلاج بالألوان لاستعادة ذكريات سعيدة مرت بنا في منزلنا الملوّث بسخام الحروب.. لكن لم يكن لي باليد حيلة بسبب تسارع الأحداث وعدم سيطرتنا على إيقاع حياتنا في بلدي العراق الذي أرهقته الجغرافيا والتاريخ.
في ما بعد، وعند انتقالي إلى حي جديد بعد عودتي عقب انتهاء الحرب الأخيرة، اشتريت منزلي الأول.. شعرت بسعادة غامرة، ولكن كانت هناك ميزة واحدة أزعجتني كثيراً في مشوار الصيانة ألا وهي لون الجدران الأبيض الفاتح.
بعد سنوات قضيتها في استئجار شقق رخيصة في الغربة كانت مغرقة بألوان محايدة صماء، تأمّلت في درجات ألوان أكثر إشراقاً للنفس، ليس لأسباب جمالية فقط، بل كنت أسعى إلى بداية تبهر بألوان جديدة تدعو إلى الهدوء في حياتي.
وبسبب ظروف بلدي المتقلبة كنت كأي شخص في مجتمعي أعاني من القلق والاكتئاب، لكن كنت ألاحظ كثيراً أن للألوان آثاراً إيجابية وسلبية على مشاعري، كما هو الحال مع الروائح والعطور.
اللون الأزرق يمنحني الهدوء بينما الكثير من اللون الأحمر يثير توتري.. أما الألوان الرتيبة ذات اللون الأبيض -مثل تلك الموجودة على جدران شقتي السابقة والمؤسسات الحكومية في بغداد- فتجعلني أشعر بالإحباط إلى حد الكآبة.
فما كان مني ذات يوم إلا أن توجهت إلى متجر الأصباغ وأنا أتساءل: ما هي الألوان الكفيلة بجعلي سعيداً؟
فتبين لي أنني لست الوحيد الذي يتمتع باستجابات قوية للألوان حيث وجدت من يشاركني الرأي. إنه صاحب المتجر الكهل الذي قال لي: «لا أحد يتفاعل مع لون واحد بنفس الطريقة تماماً.. من وجهة نظر نفسية، ليس لدى كل واحد منا نفس الارتباطات بألوان معينة».
نحن لا نفكر دائماً في التصميم الداخلي على أنه شيء متعلق برفاهيتنا، إذ تظهر الأبحاث أن اللون يمكن أن يؤثر على مزاجنا ومستويات طاقتنا وخياراتنا.
إننا عندما نفكر بوعي في ظلال محيطنا، يصبح بإمكان اللون التأثير علينا، خاصةً إذا كان لوناً جريئاً ومشبعاً، فعادةً ما تكون الألوان الدافئة أكثر إشراقاً وتميل الألوان الباردة إلى الهدوء. ويمكن للّون أن يؤثر تماماً على سلوك الشخص والطريقة التي يفكر بها أو يشعر بها.
هناك إجماع عام على أهمية طاقة الألوان في البناء السيكولوجي للإنسان، ففي ستينيات القرن الماضي، قام الباحثون بطلاء غرف السجون في أنحاء الولايات المتحدة باللون الوردي لدراسة تأثيرها على النزلاء، وقد لوحظ أن اللون، الذي أطلق عليه لاحقاً اسم Baker Miller Pink يحدّ من السلوك العدائي أو العنيف فضلاً عن خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، كما اعتقد الطبيب النفسي السويسري ماكس لوشر في أواخر الستينيات أن تفضيلات اللون تقدم أدلة حول شخصية ما وأن اختيار اللون يعكس الحالات العاطفية.
في نهاية المطاف، وجدت أن اكتئابي وقلقي قد خُففا إلى حد ما من خلال طلاء الجدران والأسقف بمنزلي بلون يناسب سعادتي المبتغاة.. طلاء جدران منزلك لا يحتاج إلى أن يكون دراماتيكياً أو باهظاً مثل مشروع كبير للرسم، بل مناسباً لشخصيتك كي تشعر بالسعادة والهدوء والإلهام.