بعيداً عن تداعيات وارتدادات الحرب الأوكرانية الروسية على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والعقوبات الاقتصادية المتبادلة بين روسيا من جانب والعالم الغربي واليابان وأستراليا من جانب آخر، ضاعفت الحرب من منسوب الخوف والهلع في أوروبا والولايات المتحدة، ويرتبط «تسويق الخوف» في هذه الحرب بمستوى جديد من المخاطر يتعلق بنشوب حرب نووية، وهو ما دفع الآلاف في أوروبا والعالم للبدء في بناء «الملاجئ النووية» للحماية من القصف النووي أو الإشعاع النووي، خاصة بعد أن أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أكثر من مرة إلى أن أي حرب عالمية ثالثة قد تكون حرباً نووية، كما تقوم حسابات الرئيس الأمريكي جون بايدن والقادة الغربيين في رفض فرض حظر جوي فوق أوكرانيا أو تزويد كييف بطائرات هجومية، حتى لا ينخرط العالم في حرب عالمية ثالثة، قد يضطر أحد الطرفين لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، وهي الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية.
واستجابة لهذه المخاوف تتلقى شركات بناء الملاجئ النووية مئات المكالمات يومياً بعد أن تراجع هذا الأمر عقب نهاية الحرب الباردة التي شهدت أعلى موجة من موجات بناء الملاجئ، سواء النووية أو الملاجئ التي تحمي من القصف بالأسلحة التقليدية. فما هي حدود انتشار الملاجئ، خاصة ملاجئ الحماية من أسلحة الدمار الشامل في أوروبا والعالم؟ وإلى أي مدى سوف يعزز استمرار الحرب الأوكرانية الروسية من ضغوط الخوف والبحث عن الأمان من الغبار الذري في الملاجئ النووية؟
ملاجئ أندرسون
فتح القصف الذي رافق الحرب العالمية الأولى الباب أمام بناء مخابئ أو ملاجئ تحمي البيوت من القصف، لكنها كانت ملاجئ بدائية، تقوم بها العائلات في أوروبا في الحديقة أو القبو، وتطور الأمر عندما قذفت الطائرات الألمانية المدن البريطانية، وظهرت لأول مرة ملاجئ تتوافر فيها عناصر الأمان أطلق عليها «ملاجئ أندرسون» في بريطانيا، لكن استخدام الولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ القنابل النووية ضد نجازاكي في 6 أغسطس عام 1945، وهيروشيما في 9 أغسطس من نفس العام أدى إلى التفكير في بناء الملاجئ النووية، وتطور هذا الأمر خلال الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق في 25 ديسمبر 1991، ومنذ الستينيات في القرن الماضي كان بناء الملاجئ شرطاً رئيسياً للبناء في فنلندا والسويد وسويسرا، وشكلت الفترة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي حتى ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، الذي أعاد فكرة بناء الملاجئ النووية في أوروبا قبل أن تبدأ أكبر حملة لبناء هذه الملاجئ مع بداية الحرب الأوكرانية الروسية.
هناك 3 أسباب دفعت شعوب العالم للعودة إلى فكرة بناء الملاجئ النووية وهي؛ الأول: توسع دول النادي النووي، فبعد أن كان الاتفاق على أن تكون 5 دول فقط هي من يملك السلاح النووي، وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، زاد عدد الدول التي لديها سلاح نووي، لتضم الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل.
والسبب الثاني: وضع خطط معلنة من كافة الدول النووية لتحويل الرؤوس النووية الكبيرة إلى قنابل نووية صغيرة، وهو ما يعني أن السلاح النووي يتحول من سلاح للردع والتخويف إلى سلاح عملياتي يمكن استخدامه في المعارك وضد الجيوش، وتوسع هذا الأمر بشكل كبير عندما شاركت الولايات المتحدة دول أوروبية غير نووية في مناورات تحاكي استخدام أسلحة نووية في أوروبا، وفق ما قاله وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 28 فبراير 2018 أمام مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح في جنيف، وهو اتهام كرره وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو، في 23 نوفمبر الماضي، أثناء لقائه مع نظيره الصيني وي فنغ خه، حيث كشف عن القاذفات الاستراتيجية الأمريكية التي نفذت بشكل متزامن طلعات باستخدام الأسلحة النووية على بعد 20 كلم فقط من الحدود الروسية الشرقية والغربية معاً، وسبق للولايات المتحدة، وبحضور أعضاء من الكونجرس، أن أجرت محاكاة لقصف روسيا بالسلاح النووي في 20 فبراير عام 2020، وفق بيان لوزارة الدفاع الأمريكية نقلته مجلتَا Defense One وNational Defense، التي قالت إن المناورة جرت في قاعدة القيادة الاستراتيجية للجيش الأمريكي في ولاية نبراسكا، لكن على الجانب الآخر يتذكر العالم إبلاغ وزير الدفاع الروسي شويجو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، على الهواء بجاهزية قواته لاستخدام السلاح النووي أثناء المناورات الاستراتيجية التي قامت بها القوات الروسية في 18 فبراير الماضي.
أسعار خيالية للملاجئ النووية
لم تضاعف الحرب الروسية الأوكرانية الطلب فقط على الملاجئ النووية، بل ضاعفت أسعار بناء وتجهيز هذه الملاجئ، خاصة مع سيطرة القوات الروسية على محطة تشيرنوبيل للطاقة، ثم القتال الذي اندلع حول محطة «زاباروجيا»، النووية والمخاوف التي صاحبت ذلك بتسرب إشعاعي على غرار التسرب الذي طال أوروبا من مفاعل تشيرنوبل عام 1986، ولا تكفي الملاجئ الصغيرة التي تتكون من 6 أمتار، وبها فتحة للتهوية، في حالات تسرب الإشعاع النووي الذي يحتاج غرفاً تبدأ من 20 متراً، وقد تصل إلى 100 متر، حتى يستطيع من يسكنها البقاء لفترة طويلة إلى أن ينتهي تأثير الإشعاع الذري، حيث يبلغ سعر الملجأ مساحة 8 أمتار نحو 150 ألف دولار، ومساحة 20 متراً قد تصل إلى 250 ألف يورو، وفق شركة بون بروتيكسيون الفرنسية، وبالإضافة للملاجئ والمخابئ النووية التي يبنيها الأفراد والعائلات، هناك دول في أوروبا لها باع طويل في تجهيز الملاجئ العامة، مثل السويد وفنلندا، التي قالت إن لديها 5 آلاف مخبأ كبير، يمكن أن يستوعب 4 ملايين مواطن، وفق ما نقلت نيويورك تايمز.
انتشار في أمريكا
ولا يقتصر الأمر على أوروبا فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب الروسية الأوكرانية طلباً غير مسبوق على الملاجئ النووية التي يتم بناؤها بالكامل من حديد الصلب، وتكون على أعماق كبيرة، ويطلقون عليها منازل يوم القيامة، وفق ما قالته شركة «رايزنج از» المتخصصة في بناء الملاجئ النووية، التي تبيع ملاجئ تبدأ أسعارها من 40 ألف دولار، حتى 8 ملايين دولار حسب المساحة ونوع التأثيث.