لسنا في أبهى عصورنا الفنية... ولسنا نشهد -مؤكداً- ربيعاً سينمائياً هذه الأيام، فأزمات صناعة السينما والدراما لا تزال تتوالى جراء جائحة كورونا، ومن قبلها الأحداث السياسية التي مرت بها مصر في السنوات الأخيرة.
وبالتالي فنحن بصدد مرحلة فنية جديدة ومختلفة من عمر الدراما المصرية، تفرضها الصناعة الراهنة ولغة الأرقام ونسب المشاهدات على منصات الدراما المنزلية، و(تريندات) صاحبة الجلالة الجديدة صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وإنستغرام).
بالدخول فوراً في صلب الموضوع، يأتي مسلسل (منورة بأهلها) لينضم إلى قائمة مثيرات الجدل، ومستفزات المشاهدة وحديث النقاد والجمهور حول مدى نجاحه أو قبوله كعمل درامي يحوي العديد من النجوم الكبار، ويضاف لسجل المؤلف الكبير محمد أمين راضي صاحب (نيران صديقة والوصايا السبع)، وكذلك المخرج ذائع الصيت يسري نصر الله.
ولنبدأ حديثنا من الأخير، والذي يعد هو العنصر الأكثر إثارة للجدل في عمل قد يوصف بالغريب أكثر مما يوصف بالناجح.
قولاً واحداً، نحن أمام أحد أبناء مدرسة الراحل يوسف شاهين في الإخراج السينمائي، فيكفيه (وداعاً بونابارت) و(حدوتة مصرية) ليأخذ الختم الشاهيني في الإخراج.
وليت انتماءه لمدرسة يوسف شاهين قد منحه -بطبيعة الحال- الخبرة والعمق وتفاصيل الممارسة دون محاكاة نفس المنهج بحذافيره، مثل ما حدث مع (خالد يوسف) أبرز المتفرعين من ذات المدرسة ولكن دون أن يحاكيها أو ينحتها بلا إضافة، بل ظهر بلون جديد وبصمة مختلفة فرضت اسمه على الساحة، اتفقت أم اختلفت مع سلوكياته خارج دوائر الضوء والإبداع الفني.
لقد وقع يسري نصر الله في ما رصده معارضو مدرسة شاهين من الإغراق في الغرابة، والتطرف في السيريالية، واعتبرها النقاد مثلباً في معظم أعماله، حتى إن أحدهم راح يقول متندراً إن من شاركوا في أعمال شاهين أنفسهم لا يفهمون ما كانوا يرددونه من حوار غير مفهوم، ولا مقتنعين بمعظم مشاهدهم التي لا ولم يفهمها حتى الآن سوى يوسف شاهين نفسه.
ونستطيع رصد عدة نقاط تلخص ما وقع فيه يسري نصر الله من إحياء فاشل لمدرسة شاهين في التالي:
- جاءت مشاهد مسلسل منورة بأهلها متهللة مفككة، وانفرط عقد تركيز المشاهد ما بين الفلاش باك وما بين الأحداث الواقعية، فلم يعد يعرف هذه من تلك.
- الإسراف في استخدام الفلاتر الحديثة والتقطيعات السريعة جعل التصوير مشتتاً يخرج المشاهد عن المسار الدرامي للحلقات، يتركك تتوقع وتفكر وتتخيل في مسارات بعيدة عن ذهن المؤلف والمخرج معاً، لم يقصداها بالمرة.
- وجود عبارات بالفصحى على لسان بعض أبطال العمل، جاء كنوع من الاستعراض دون إضافة حقيقية للأحداث، ولو توقف المشاهد عند أحدها سواء القصائد الشعرية المقحمة أو ما دار مثلا على لسان المحقق (أحمد السعدني) وهو يحقق مع أحد المشتبه فيهم، فستحاول جاهداً فهمها أو ربطها بما يحدث، ولن تفلح في ذلك.
- لو عاد يوسف شاهين بنفسه من العالم الآخر لفشل في توصيف الرقصة المثيرة للضحك بين أحمد السعدني وزوجته الفنانة (كريمة منصور) مؤسِّسة ومديرة مدرسة تعليم الرقص المعاصر، والتي حاول أن يصالحها بها أو هكذا فهمنا من الشعر العامي الركيك الذي راحا يرددانه خلال هذه الرقصة غير المفهومة
- الأداء الرائع لكل من باسم السمرة وليلى علوي وغادة عادل التي قامت بأهم أدوارها، لم يشفع للمخرج والمؤلف أيضاً في ما يمكن أن نسميه (التحوير) أو (اللف والدوران) على الفكرة الأساسية، وهي البحث عن قاتل، وإقحام قضايا كبيرة مثل (المثلية الجنسية) و(التعصب الديني) و(التطرف) و(استغلال القرويين الساذجين) دون مبرر ليبدو العمل ثقيلاً ويضم أهم مشكلات المجتمع المصري في الآونة الأخيرة.
لقد بدا المسلسل ممطوطاً مفتعلاً في كثير من أحداثه، وهو ما يمكن معالجته في 4 حلقات على الأكثر.
- ترديد عبارة (القاهرة منورة بأهلها) أكثر من مرة، وتحديداً عند دخول كل أبناء الأقاليم لبوابات القاهرة، يحمل ملامح نحت مفتعل لأعمال ما قبل ثورة يناير مثل (عمارة يعقوبيان) (أهل كايرو) وثلاثية خالد يوسف (هي فوضى - دكان شحاتة - حين ميسرة) دون تقديم نقد حقيقي ومنصف لواقع مجتمع القاهرة الآن
وبعيداً عن كل تلك النقاط النقدية، يبقى العمل بشكل عام محرضاً على التفكير والاختلاف والتميز الدرامي، وهو في حد ذاته نجاح تم تحقيقه عبر حلقات المسلسل المثير للجدل