الاستثمار في أزمنة الحروب يؤتِي ثماره، والحقيقة أن تاريخ الأسواق لا يدعم فرضية أن الحرب تهوِي دائماً بالأسواق؛ فيخسر الناس أموالهم، لكن، أكثر ما يتميز به قناصو الأزمات هو التحلي بالصبر في سوق مضطربة، وإدارة مدخراتهم بطريقة احترافية، والابتعاد عن القروض، وتنويع محافظهم الاستثمارية بمعدل 30 إلى 70%، حيث تمثل حصة الأسهم 70%، بينما تمثل السندات والعقارات والأصول والذهب والمعادن والعملات والمواد الأولية والسيولة النقدية 30%.
يجسد تاريخ الأثرياء كيف منحتهم الأزمات الفرصة لتكوين الأموال الطائلة، ولتوضيح الفكرة، دعونا نستعرض تفاعلات الأسواق المالية مع 3 حروب شهيرة؛ الحرب العالمية الأولى، والثانية، وحرب فيتنام، ففي الأشهر الـ6 التي تلت اندلاع الحرب الأولى، خسر مؤشر داو جونز الصناعي 30%، واضطرت البورصة الأمريكية لإغلاق أبوابها، ثم أعيد فتحها بالكامل عام 1915، فسجل داو جونز أعلى زيادة بنسبة 88%، وبنهاية الصراع الدامي عام 1918، ارتفع إجمالي المؤشر 43%، أو 8.7% سنوياً.
وعندما اجتاح الزعيم النازي أدولف هتلر، بولندا في سبتمبر 1939، ارتفع السوق بنسبة 10%، ومع بدء الهجوم على بيرل هاربور، وإرغام الولايات المتحدة على دخول الحرب، هبطت الأسهم 2.9%، ثم تعافت في أقل من شهر، وعندما غزت قوات الحلفاء فرنسا عام 1944، زاد مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 5%، ومع نهاية عام 1945، ارتفع المؤشر الأمريكي 50% بشكل عام، أو 7% سنوياً، أما خلال حرب فيتنام، فقد أغلق مؤشر داو جونز عام 1965 على ارتفاع 10%، وبنهاية القتال الشرس عام 1973، ارتفعت السوق بنسبة 43%، أو 5% سنوياً، وبحسبة بسيطة، نجد أن سوق الأوراق المالية ربحت خلال الحروب الثلاث 45%، أو 7% سنوياً.
وهنا ننوه إلى أن لكل أزمة ذروة ثم تنتهي؛ ولهذا، يجب التحرر من الفكرة السائدة بحتمية تكرار الماضي، اعتماداً على مقولة ميكافيلي الشهيرة «الأحداث تتكرر والتاريخ يتشابه»، دون النظر إلى بقية العوامل المساعدة، فالتاريخ يرفض التسليم بأن خسارة الأسواق في وقت الأزمات حقيقة مؤكدة، ومن واجب الاقتصاديين تشجيع المستثمرين على البقاء في السوق وعدم مغادرته بداعي الخوف، فالاستثمار الآمن حتى في أوقات الحروب، يظل مربحاً على المدى الطويل، وهؤلاء المستثمرون النابهون يستفيدون قطعاً من سوء فهم نظرائهم للمخاطر، حيث تظهر في هذه اللحظات العصيبة فرصٌ واعدة تمهد لإطلاق الثروات الكبيرة.