الموقف الأول: اصطفاف يُعيد أحياناً ترسيخ الفعلين السياسي والعسكري للتكتلات والتحالفات القديمة.. هنا يؤسَّس الاصطفاف الدولي إما على ميراث التعايش بين القوى الكبرى بناء على الاعتراف بسيادة الأقوى، وما يتبعه من قسمة ضيزى أو عادلة لثروات الأمم الأخرى «المستضعفة»، أو يعيد بلورة مفهوم القوة من حيث استنهاضه للنصر القديم في حروب سابقة تم بموجبها قيام أحلاف عسكرية، وتكتلات اقتصادية، وتجمعات سياسية.
في هذه الحالة يعود تربص القوى العالمية «الاستكبار الدولي» بالقوى الجديدة التي كانت في وقت سابق تحسب ضمن المهزومين أو المستضعفين، وقد تكون خليطاً من قوى كبرى، سعت رفيقاتها في الماضي القريب إلى إزاحتها أو استبعادها من المشهد العام، وقوى أخرى بدأت تتحكم في ثرواتها وتفرض نفسها على المشهد الدولي، وهنا يظهر الاصطفاف الثاني أثناء الحرب، وبالتأكيد سيعمّر، بل سيكون أطول عمراً حين تضع الحرب أوزارها.
العالم، وعلى خلفيّة الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا اليوم، يتجه نحو اصطفاف فيه من الماضي خاصة في شقّيه العسكري ـ من ذلك ما يحاول حلف الناتو القيام به، مع عجزه الظاهر ـ والسياسي، وهو ما تقوم به الدول الغربية ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأووربي، وكندا وغيرها، ولا تزال تعوّل عليه، أو تخشى من بطشه على خلفيّة فعله الاستعماري في الماضي، وإجرامه في الحاضر كما في التجربة العراقيّة تحديداً.
يقابل ذلك موقف ثانٍ، لم يكن غائباً عن البشرية في كل حروبها منذ القدم، ولكنه اليوم أكثر تأثيراً وأشد إيلاماً في حربه، وهو الاصطفاف الاقتصادي، وقد حاول الغرب أن يستعمله وسيلة ضغط على روسيا خلال الأسبوعين الفائتين.
ضغوط الغرب تلك مختلفة عن قراءة وحساب الدول المؤثرة اليوم في عالم الاقتصاد للحرب الدائرة في أوكرانيا اليوم، سواء التي تملك ثروات طائلة أو تمتلك مخزونات الطاقة من النفط والغاز، أو حتى تلك التي تملك الثروات البشرية.
لا شك أن تلك الدول ستؤثر على مجرى الحرب، بناء على المواقف التي تحدد مسار حركتها في التاريخ، وكل هذا يشي بصياغة جديدة للعلاقات الدولية، تصنعها وتقرها بل وتفرضها هذه الدول من خلال تعدد الأقطاب، بغض النظر عن نار الحرب أو بشائر السلام.