الإنسانية والعنصرية، مفردتان أو مصطلحان متناقضان في اللفظ والدلالة ويحملان في طياتهما الكثير من المعاني، ولا يمكن أن يجتمعا مع بعض، ولكن وقعهما أكبر أثناء الحروب والأزمات لأن المشاعر الحقيقية تنكشف دون لبس أو تدليس.
درجة العنصرية هي المعيار الذي تنظر من خلاله الشعوب تجاه الآخرين لمعرفة مدى إنسانيتها الحقيقية، وكغرض حضاري لما تنادي به بعض المجتمعات من شعارات سياسية.
جاءت الأزمة الأوكرانية لتعيد فتح هذا الملف على المستوى العالمي وكشفت عن الكثير من المغالطات التي تجعلنا نتساءل عن حقيقة ما تظهره الخطابات الإعلامية والسياسية أثناء فترات الهدوء والاستقرار، وبين ما نراه أثناء الأزمات التي هي "الاختبار” الحقيقي والفعلي للمشاعر الإنسانية.
كإماراتي استحضرت نموذج بلادي في التسامح واعتبرته المعيار الأساسي للمقارنة، فاستذكرت كيف أصبحت الإمارات مقصد جميع البشر باختلاف جنسياتهم ودياناتهم وثقافاتهم وعرقياتهم. كما تذكرت أن الإمارات لم تركز فقط على الجانب المؤسسي للتسامح وأن الموضوع يتخذ شكلاً رسمياً من خلال قيام وتأسيس مؤسسات لنشر وتعزيز قيم التسامح والتعايش والاحترام، كوزارة التسامح والمعهد الدولي للتسامح ومركز هداية ومركز صواب وجائزة محمد بن راشد للتسامح والبرنامج الوطني للتسامح، وأصدرت قانوناً بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وهناك جانب مهم في "ثقافة التسامح الإماراتية” وهو أنها صفة القيادة والشعب حتى بدت ثقافة مجتمع ولعل هذه النقطة التي ينبغي التركيز عليها عندما تتحدث المجتمعات الأوروبية عن التسامح.
مزعج -لي ولغيري من الناس في العالم- ما تداولته وسائل الإعلام العالمية ذلك القبح الإنساني سواء من الإعلاميين والسياسيين عندما لم توفقهم المقارنة في قضية إنسانية بين الأوكرانيين وغيرهم من الشعوب العربية والآسيوية والأفريقية، وتلك الممارسات التي تتم ضد أصحاب البشرة السمراء أو لأسباب دينية وعرقية، وليس لدي شك بأنه ليس كل الغرب بهذه "النعرة العنصرية” ولكن الأزمات تظهر الموقف الحقيقي أو المعدن الأصيل ولهذا فإن من المهم إعادة النظر فيما نروج له إعلامياً من أجل وضع معايير حقيقية في تقييم المجتمعات من حيث رقيها الإنساني.
إذا كانت العنصرية طبعاً بغيضاً وسلوكاً مشيناً لأن كل الديانات أنكرته والنفس البشرية السوية لفظته والدول حرمته قانوناً، أتكلم هنا في الأوقات العادية، فإن الأمر في أوقات الأزمات والكوارث تكون أكثر حاجة لمحاربتها ولعل الصور التي تنقلها بعض وسائل الإعلام العالمية لشباب عرب ومسلمين يشاركون في التطوع لمساعدة الأوكرانيين هو تأكيد أن الإنسانية قيمة تجدها في الضمير وليس في المؤسسات والقوانين.