بالنسبة للغرباء، تبدو الحرب الدائرة في أوكرانيا غامضة وأسبابها مجهولة، خاصة مع قلة المصادر المكتوبة بالعربية، وصعوبة البحث والقراءة حول الموضوع.. ولكن السينما كالعادة توفر وسيلة سهلة وجذابة لمعرفة الكثير عن خلفيات الصراع وأسبابه.. ويبقى فقط أن نعرف مصدر إنتاج وتوجهات هذه الأفلام حتى لا نتبنى وجهة نظر صناعها بدون تفكير.
شتاء مشتعل
أحد الأفلام المهمة التي لجأ إليها الكثيرون خلال الأيام الماضية الفيلم الوثائقي «شتاء مشتعل: كفاح أوكرانيا من أجل الحرية» Winter On fire: Ukraine’s Fight For Freedom الذي قامت منصة نتفليكس بعرضه مجاناً على يوتيوب، دعماً منها لأوكرانيا.
الفيلم من إخراج إيفجيني أفينيفسكي وساهمت في انتاجه «نتفليكس»، ويبلغ زمن عرضه ساعة و42 دقيقة، وهو يرصد تفاصيل الأحداث والمظاهرات التي اندلعت في أوكرانيا في 2013 و2014 على خلفية الانقسام حول قرار توقيع معاهدة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، تمهيداً للانضمام إلى أوروبا رسمياً، والذي تم التراجع عنه في اللحظات الأخيرة تحت تأثير الضغط الروسي والمناصرين لروسيا والانتماء «الشرقي» للبلد.. عقب التراجع عن توقيع الاتفاق نزل إلى الشوارع آلاف الشباب الغاضبين المؤيدين لانضمام أوكرانيا إلى أوروبا، واحتشدوا في «الميدان»، قبل أن تهاجمهم قوات الشرطة بعنف شديد، وتبدأ سلسلة من المذابح تؤدي إلى مزيد من الغضب والثورة ضد السلطة والتي انتهت باستقالة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش.
هذه الثورة وما تلاها من استقطاب متزايد، واستقلال جزئي لبعض المدن التي فضلت الانحياز لروسيا، والحرب الأهلية المدعومة من الغرب والشرق التي نشبت في أعقاب ذلك، يمكن أن تساعد على فهم ما يحدث بطريقة أفضل.
ورغم أن الفيلم لا يحتوي على كثير من المعلومات، التي يمكن العثور عليها في مواقع ومصادر أخرى، لكن ما ينجح فيه بقوة هو نقل الشحنات العاطفية والمشاعر الملتهبة التي نتجت عن الأزمة السياسية، خاصة بسبب العنف الذي مورس ضد المتظاهرين.
الفيلم رشحه للمشاهدة المخرج والممثل الأمريكي الشهير شون بن، وجدير بالذكر أن بن كان يقوم بعمل وثائقي في أوكرانيا عندما حدث الغزو الروسي منذ أيام، فسارع بالهرب مع مئات الآلاف من النازحين، وكتب على صفحته على مواقع التواصل عدة «بوستات» يعلق فيها على الأحداث، منها ترشيحه للفيلم.
أفلام وثائقية
بجانب «شتاء مشتعل» هناك عدد من الأفلام الأوكرانية التي صدرت في السنوات الماضية، معظمها وثائقي، وبعضها روائي، يمكن مشاهدتها على يوتيوب أيضاً، حيث قام أصحابها بإتاحتها مجاناً كنوع من الدعاية أو التعريف بخلفيات الصراع وموقف الشعب الأوكراني.
بعض هذه الأفلام قديم يعود إلى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وانفصال أوكرانيا وتحولها إلى جمهورية مستقلة. من هذه الأعمال Chernobyl Chronicle of Difficult Weeks (1987)الذي يروي كارثة مفاعل تشيرنوبل ودور السلطة السوفيتية في تفاقم الكارثة، وTomorrow Is a Holiday (1987) الذي يتناول مشاق الحياة اليومية للمواطنين في عهد الاتحاد السوفيتي، وOxygen Starvation (1992) الذي يروي قصة حقيقية عن شقاء التجنيد الإجباري في عهد الاتحاد السوفيتي، وحتى الأفلام التي تتناول مظاهرات «الميدان» مثل Maidan (2014) و The Black Book of Maidan (2014) و Euromaidan: The Rough Cut (2014) و Varta1, Lviv, Ukraine (2015)ثم الأفلام التي تتناول الحرب الأهلية اللاحقة مثل Donbas (2018)، الذي عرض في العديد من المهرجانات الدولية، وAtlantis (2019)، الذي تدور أحداثه في 2025، ويتنبأ بغزو روسيا وانتصار الأوكرانيين في النهاية!
من ناحية أخرى، وللتعرف على وجهة النظر الروسية، فقد قدمت السينما الروسية عدداً كبيراً من الأفلام الحربية في السنوات الأخيرة، تستدعي الحرب العالمية الثانية، شكلت ما يشبه الحشد المعنوي ضد التهديدات الغربية، وشحنت مشاهديها للدفاع عن وحدة أراضيهم واستعادة مجد روسيا الكبرى. من هذه الأفلام White Tiger (2012) للمخرج الكبير كارين شاخنازاروف، والذي يروي البطولات الحقيقية لسائق دبابة، ينتهي الفيلم بإصراره على أن الحرب لم تنتهِ وأن «النمر الأبيض» سيأتي مرة أخرى لغزو روسيا!
هناك أيضاً أفلام مثل Stalingrad (2013) الذي يتميز بضخامة إنتاجه والمصمم لكي يعرض للمشاهدة ثلاثية الأبعاد مثل الأفلام الأمريكية الضخمة، وFortress of War (2010)، و The Battle of Sevastpol و Panfilov’s 28 Men وكلها أعمال مأخوذة من قصص حقيقية تركز على استماتة الشعب الروسي في الدفاع عن أراضيه.