أكد خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي - رئيس اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل المنظمات غير المشروعة أن دولة الإمارات العربية المتحدة بدأت منذ سنوات مضت، العمل على تعزيز منظومتها التي تتميز بالتكامل وتتسم بالديمومة لمواجهة الجرائم المالية بكل أشكالها وأنواعها لحماية النظام المالي المحلي والعالمي وضمان سلامته وذلك مع دخول الدولة مرحلة جديدة من الرؤى والطموحات المستقبلية التي تهدف لأن تكون أفضل دول العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقال في مقال له نشر اليوم في صحيفة الشرق الأوسط: «ورغم أن مخاطر الجرائم المالية، ونقصد هنا بالتحديد، جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، لا تتوقف عند حدود جغرافية معينة، بل أصبحت هاجساً يؤرق اقتصادات العالم أجمع، إلا أن معرفتنا لأسباب تفاقم وتيرة هذه الجرائم وزيادة حدتها في السنوات الأخيرة، تساعدنا كدول وهيئات تنظيمية وإشرافية على مواجهتها ومكافحتها، بل تمكننا من اتخاذ خطوات استباقية للحد منها، وهو الأمر الذي يتطلب عملاً جماعياً بروح الشراكة الدولية».
وتابع قائلاً: «من هذا المنطلق، تزداد جهود دولة الإمارات في مجال مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح قوة وفاعلية يوماً بعد آخر، في الوقت الذي تستمر في طريقها للنهوض بمبادرات جديدة وتدابير احترازية وإجراءات وقائية نحو تعزيز القدرات والإمكانات والتفاعل مع التحديات لمواجهة التهديدات المتزايدة للجرائم المالية، بهدف بناء نظام مالي قوي وآمن ومنظومة اقتصادية متطورة تدعم النمو وتعزز من ثقة المستثمرين».
وأضاف: «بموازاة ذلك، واصلت الإمارات دورها على الصعيد الدولي في مجال مكافحة الجرائم المالية، والتي كانت في أحيانٍ كثيرة سباقة على مستوياتها كافة، عن طريق إرساء مجموعة من الإجراءات والمبادرات الدولية، واتخاذ الكثير من التدابير التي شملت إنفاذ القانون وإبرام الاتفاقيات وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة».
وأشار: «الشيء اللافت في استراتيجية دولة الإمارات في مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، إنها لا تنظر إلى المسألة انطلاقاً من التزامها الدولي فحسب، بل لكونها أيضاً واجباً وطنياً، ومن صميم القيم الأخلاقية والالتزامات القانونية، باعتبارها وسيلة مهمة لدعم التنمية المستدامة لاقتصادها، وحماية بيئة الأعمال والاستثمار، لمواصلة نموها وازدهارها، وترسيخ القدرات لتعزيز تنافسية الدولة على المستوى العالمي».
وقال: «نجحت اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة في تطوير السياسات والآليات والإجراءات التي تُمكن الدولة من مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والاستجابة لمتطلبات مجموعة العمل المالي (فاتف)، مع ضمان استمرارية الإجراءات وفاعليتها».
وذكر: «أحرزت أعمال اللجنة الوطنية الكثير من التقدم الملحوظ خلال العامين الماضيين، وهو الأمر الذي ساهم في دعم جهود الدولة في مكافحة الجرائم المالية، لا سيما في مجال تطوير الاستراتيجيات وتنفيذ البرامج والمبادرات وتقييم المخاطر الوطنية المرتبطة بهذه الجرائم، وترسيخ التعاون بين المؤسسات الوطنية، وتنمية القدرات التكنولوجية.. وقد تركزت هذه الأعمال على عدة محاور رئيسية تمثلت بالتنسيق الوطني، والتقييم الوطني للمخاطر، والتشريعات واللوائح، والتعاون الدولي، وإجراءات الجهات الرقابية، ومسجلي الشركات، وإجراءات جهات إنفاذ القانون، والعقوبات المالية المستهدفة، والخدمات اللوجستية».
وأضاف: «وقد تطلب العمل على هذه المحاور، الكثير من الجهد الوطني الفاعل والحقيقي، إلى أن أصبحت تُشكل منظومة ثابتة ومستدامة لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، كما أنها تتسم بالمرونة من خلال استيعابها لجميع التعديلات والتحديثات وأفضل الممارسات الدولية».
وقال: «ونتيجة لذلك، اعتمدت اللجنة الوطنية من خلال لجانها الفرعية الثماني منذ عام 2020 وحتى نهاية 2021، عدداً من الأدلة الإرشادية والدراسات في مختلف المجالات المتعلقة بمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، منها على سبيل المثال لا الحصر، الدليل الوطني بشأن المعلومات المالية والتحقيقات المالية وتحقيقات غسل الأموال للدولة، والدليل الإرشادي لتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة».
وتابع قائلاً: «ساهمت الجهود المكثفة التي تبذلها وحدة المعلومات المالية، لا سيما في العامين الماضيين، في الارتقاء بفاعلية نظام مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات، وترسيخ مكانتها كشريك فعال في الاستجابة العالمية لمكافحة الجرائم المالية».
وأضاف: «شهدت وحدة المعلومات المالية مؤخراً تحسينات كبيرة في مواردها التشغيلية، حيث تم اعتماد هيكل تنظيمي جديد نتج عنه تأسيس وحدات جديدة متخصصة، والاستثمار في الكوادر البشرية وزيادة أعدادها بنسبة 63% مقارنة بعام 2019، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية وعدد الإحالات إلى الجهات المعنية بشكل معزز ودقيق».
وأشار: «في ظل التطور الكبير في التقنيات الحديثة وأثرها في زيادة تفاقم عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد تم التركيز على تطوير قدرات الأنظمة التكنولوجية، ما ساهم في اعتماد تقنيات مبتكرة لتحسين الاستفادة من المعلومات المالية والبيانات الدقيقة وتحليلها وإتاحتها في الوقت المناسب من أجل التصدي للجرائم المالية.. وقد نجحت الوحدة في تنفيذ وتشغيل نظام الإدارة المتكامل للاستفسارات (IEMS)، والذي تم استحداثه للوصول إلى المعلومات المالية، حيث تم من خلال هذا النظام في الفترة بين شهر يوليو 2019 وحتى نهاية عام 2021، استلام عدد (7517) طلباً من جانب جهات إنفاذ القانون والنيابات العامة تتعلق بالحصول على المعلومات المالية والبحث والتحقق وتجميد الأموال».
وأضاف: «تم تنفيذ نسبة 100% من الطلبات الواردة بشأن مصادرة المواد غير المشروعة في زمن قياسي لم يتجاوز الـ24 ساعة، الأمر الذي يؤكد على مدى فاعلية الأنظمة التكنولوجية المعتمدة لرصد الجرائم المالية.. كما شملت الجهود، تطوير نظام (goAML) لتسهيل تلقي وتحليل وتوزيع تقارير المعاملات المشبوهة بشكل سريع وفعّال».
وقال: «نظراً لكون التعاون من صميم النهج الدولي الذي تتبعه دولة الإمارات في مجال مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، قامت وحدة المعلومات المالية بتوثيق علاقات العمل مع الشركاء الدوليين بهدف تبادل المعلومات والخبرات والتجارب الناجحة لضمان أفضل الممارسات العالمية.. وبلغ إجمالي عدد الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الوحدة نحو 59 اتفاقية».
وأضاف: «تعد مكافحة الجرائم المالية من أولويات مصرف الإمارات المركزي، الذي يعد جهة فاعلة في الجهود الوطنية والدولية التي تبذلها الدولة في مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة».
وذكر: «نظراً للطابع المتطور والمعقد للأنظمة المالية الحديثة، فقد بادر المصرف المركزي إلى إنشاء دائرة متخصصة للإشراف على مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، بهدف تعزيز جهود الإشراف على القطاع المالي وزيادة فعالية نهج مواجهة الجرائم المالية عبر مختلف مراحلها، الأمر الذي ساعد على إصدار العديد من الإرشادات الجديدة في مختلف مجالات أعمال المؤسسات المالية المرخصة، وتنفيذ عمليات التفتيش الميداني، وتطبيق العقوبات والغرامات الإدارية على المخالفين لمتطلبات مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، إلى جانب الاهتمام ببناء القدرات وتدريب الكوادر المتخصصة».
وقال: «أصدر المصرف المركزي، على سبيل المثال لا الحصر، إرشادات جديدة حول مراقبة المعاملات وفحص الجزاءات، وإرشادات جديدة للمؤسسات المالية المرخصة التي تقدم خدماتها للأعمال التجارية التي تستخدم النقد بكثافة، وأخرى لتلك التي تقدم خدماتها للقطاع العقاري وتجّار المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.. ويتعين على المؤسسات المالية المرخصة بموجب هذه الإرشادات وغيرها القيام بإجراءات العناية الواجبة للعملاء وإبلاغ وحدة المعلومات المالية عن أي سلوك يشتبه باحتمال ارتباطه بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو أية جريمة جنائية».
وتابع قائلاً: «بموازاة ذلك، فرض المصرف المركزي عقوبات وغرامات مالية على المؤسسات المالية المرخصة بما فيها البنوك وشركات الصرافة والحوالة بسبب عدم الامتثال لمتطلبات مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.. وقد بلغ إجمالي قيمة هذه الغرامات منذ عام 2019 نحو (86) مليون درهم».
وأكد أن دولة الإمارات في تحرك دائم ومتواصل لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، وجهودها في هذا الشأن تؤكد على مدى التزام الدولة وتصميمها على الحد من الجرائم المالية بكل السبل والوسائل.
وقال: «نحن ندرك أن مساعي ومبادرات الإمارات لتعزيز قدراتها ومنظومتها لمواجهة هذه الجرائم ومكافحتها، والتي تزاد قوة وصلابة، سوف تقودنا إلى ضمان حماية النظام المالي والمحافظة على سلامته، في الوقت الذي ستُمكن دولتنا من تحقيق طموحاتها ورؤيتها المستقبلية في التنمية، بما يضمن لها الريادة العالمية في شتى المجالات».