من المفارقات الإنسانية الأبوية المحبطة، حينما تجد الأبناء لا يشبهون آبائهم في الكثير من سماتهم وطبائعهم الجميلة، وخاصة حينما يخبو الجانب العاطفي أو الإنساني فيهم، ويتعاملون معهم ومع الحياة بطريقة «مميكنة»، بالرغم من تفوقهم في الجانب الأكاديمي أوالمهني، وامتلاكهم لمهارات الحياة الجديدة؛ إلّا أنهم مفلسون وجدانياً!
كثير من آباء اليوم، يتقاسمون طعم الغبن في علاقتهم مع أبنائهم، الغبن الذي يجعلهم يسألون أنفسهم، هل أذنبنا حينما وفرّنا لأبنائنا كل ما يطلبون ويحتاجون؟ هل أسأنا لهم دون أن نشعر حينما خضعنا لكل رغباتهم وأغدقنا عليهم حتى أنهم لم يعودوا يقدّرون أو يستشعرون قيمة جل ما يملكونه، هل أخطأنا تجاههم حينما آثرنا سعادتهم على راحتنا، إلى حد الذي يجعلهم بهذه الأنانية واللا شعور تجاهنا؟!
قد يعتقد الأبناء، بأن توفير كل شيء لهم هو واجباً مفروضاً على الآباء، عليهم أن يؤدونه تجاههم وبالكيفية التي يريدونها وبأي طريقة، فتجد الواحد منهم حينما تكون له حاجة يقف كالرمح في مجرى أنفاس والديه، وحالما تُقضى حاجته منهما، يُدير لهم ظهره بلا شكر ولا امتنان أو لمحة تقدير تُذكر، ويمضي كالطلقة لشأنه!
جُل أبناء اليوم، فيهم سمات تنمر ما؛ لا يقدّرون تعب آبائهم لأجلهم، فالكثير من الأزواج هم من الفئة العاملة، ليس لرفاهيتهم الشخصية، بل لأجل توفير متطلبات أبنائهم من تعليم ممتاز والكثير من مستلزمات الحياة العصرية التي أضحت مسألة توفيرها «همّاً» مضاعف، وفي مقدمة المهام الأبوية؛ ما كان يحلم أن يحظى بها أحدهم، في زمن كان الحب والاحترام ورضا الوالدين يتقدم على أي حاجة في حياتهم.
«ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، فأقسى ما يكون على الأبوين، أن يصرفا رحيق قلبيهما على أبنائهم، وتجد الأبناء يتعاملون معهم بطريقة «الصراف الآلي»؛ قليلاً ما يلحظون أو يستشعرون لمحة «الحاجة» في عيون آبائهم، للمسة حب وحنان منهم أو تقدير، فكم هو مؤلم أن يأتي اليوم الذي «تتسول» من أبنائك شيئاً لم تذخره يوماً عنهم، أو أغدقته عليهم دون أن يطلبونه وأكثر مما يحتاجونه، إلى الحد الذي يجعلك تقتنع بأنك أنتَ وحدك من أفسدتهم بدلالك الزائد!