كشف خبراء ومختصون وأطباء نفسيون أن كلفة علاج المرضى النفسيين في دولة الإمارات تراوح من 300 - 1000 درهم للجلسة الواحدة، وهذا سعر بسيط جداً مقارنة بعلاجات الأمراض العضوية، وأيضاً بالمقارنة مع علاج الاكتئاب والقلق في أمريكا والذي يصل إلى 3600 درهم.
وأضافوا لـ«الرؤية»، أنّهم يواجهون تحديات عدة في عملهم أبرزها اللجوء إلى مختصٍ في مرحلة متأخرة من الإصابة بالمرض، وكذلك عدم شمول العلاج النفسي في مظلة بعض التأمينات الصحي، مطالبين بإدراج الأمراض النفسية ضمن وثائق التأمين الصحي.
وأكد استشاري طب نفسي في مركز إسحاق بن عمران الطبي الشارقة الدكتور عادل أحمد كراني، أنّ نظرة المجتمع والتعامل بحذر وخوف والتنمر جميعها تحديات التي تواجه المريض النفسي، إضافة إلى حذر بعض الأهل من إظهار مرض ذويهم المصابين باضطرابات نفسية، وتجنب الذهاب بهم إلى الطبيب المختص، ما يؤخر عملية التشخيص وبالتالي العلاج، مشيرا إلى أنّ المرض النفسي يشبه أي مرض آخر.
وأوضح أنّ هناك فهماً خاطئاً للمرض النفسي، وهو أنّ المريض النفسي يحتاج إلى أدوية تتحول إلى إدمان وهذا خطأ، لأنّ الكثير من الجلسات تكون بالكلام دون أدوية، حتى إذا اضطر الدكتور إلى إعطاء المريض للأدوية فهناك أدوية لا تسبب الإدمان.
جلسات الطب النفسي
وأضاف الدكتور كراني، أن الكثيرين يظنون أنّ تكلفة الطب النفسي في الإمارات مرتفعة، لكن الحقيقة أن جلسات الطب النفسي تتراوح من 300 - 1000 درهم للجلسة الواحدة، مشيراً إلى أنّ هناك دراسة في أمريكا أكدت أنّ معدل تكلفة علاج الاكتئاب والقلق بلغ 1000 دولار «3600 درهم»، لأنّ المكلف هو تبعات وتداعيات الأمراض النفسية لاحقا، كفقدان الشخص وظيفته أو التسبب في حوادث وخرق للقانون.
وذكر أنّ هناك الكثير من التأمينات تغطي العلاج النفسي، لكن بعضها لا تغطي العلاج النفسي رغم أهمية التأمين، لأنه يحمي الموظف من التداعيات النفسية ويجعله أكثر قدرة على الإنتاجية والعطاء.
وشدد على حماية الأطفال من الاضطرابات النفسية بتغذيتهم معنوياً، وزيادة مناعتِهم النفسية ضد أمراض العصر مثل القلق والاكتئاب واضطرابات القلق والعدوانية، وتدريب الطفل على التعامل مع ضغوط الحياة الخارجية بطريقة سوية، مثل الدراسة وانفصال الوالدين، خاصة أن الكثير من الأطفال في الشرق الأوسط يعانون من الحروب وغيرها.
منظور خاطئ
قال أخصائي طب المجتمع المتحدث باسم جمعية الإمارات للصحة العام الدكتور سيف درويش، إنه على الرغم من الأهمية الكبيرة للطب النفسي، لكن المجتمع يصفه بالعار على المريض به، ويرجع ذلك إلى النظرة المجتمعية الخاطئة تجاه الطبيب النفسي، حتى في الدراما التليفزيونية يظهرون المريض النفسي بصورة مختلفة، رغم أن هذا المرض يشبه غيره من الأمراض.
وأكد أن المريض النفسي يواجه تحدياً كبيراً خاصة من الأسرة التي ترفض ذهاب أحد أفرادها إلى الطبيب النفسي خوفاً من أن تتحول إلى وصمة عار على العائلة ككل، كما أن الكثيرين يخشون الذهاب إلى الدكتور النفسي خوفاً من تناول أدوية تتحول لإدمان وهذا ليس صحيحا، فأدوية الطب النفسي لا يوجد بها إدمان، كما أن أغلب العلاجات تكون بالجلسات السلوكية.
ونوه بأنّ أسعار الطبيب النفسي عادية مثل أي طبيب في تخصص آخر، وأنّ هناك الكثير من التأمينات تغطي الأمراض النفسية، ويوجد الكثير من المستشفيات الحكومية تقدم خدمة الطب النفسي بالمجان.
المظهر أم الصحة
وأضاف أخصائي علم النفس مؤسس مركز هارموني في دبي ولندن الدكتور محمد نجفي، أنّ علم النفس ليس للمريض النفسي فقط، ولكن للإنسان العادي لأنه يحاول مساعدة الفرد العادي كيف يكون سعيداً؟ خصوصاً في هذا الزمن، وانتشار الكثير من وسائل الترفيه وسهولة الحياة، حيث أصبح هناك الكثير من الضغوطات على الإنسان العادي مثل ضغوط الفواتير، أو ضغوط الاتصالات التليفونية.
وأوضح أن كلفة الجلسات تراوح ما بين 350-1000 درهم للجلسة، ويعتبره بعض الناس مبلغاً ليس بسيطاً، لكنه لا يقارن بشراء سيارة بمبلغ 10000 درهم، أو ساعة ثمنها 40000 درهم، معقباً: «ندفع من أجل مظاهرنا، ولا ندفع مبلغاً بسيطاً من أجل سعادتنا وصحتنا النفسية التي تساعدنا على الاستمتاع بالسيارة أو بالساعة أو بالمنزل».
وأضاف أنّ تكلفة علاج الأمراض النفسية أقل بكثير من الأمراض العضوية، إذ إنّها في الأغلب لا تتطلب فحوصات مخبرية أو أشعة أو تحاليل مقارنة بأمراض عضوية مزمنة تتطلب كل ما سبق، إضافة إلى أدويةٍ مبالغ في أسعارها، حيث تصل أدوية أمراض القلب والسكري والضغط الحديثة إلى أرقام خيالي.
تقرير طبي
نشرت مجلة «لانسيت «الطبية الشهيرة تقريراً يفيد بأنّ اضطرابات الصحة النفسية على مستوى العالم قد تصل تكلفتها إلى 16 تريليون دولار في الفترة من 2010 إلى 2030، إذا لم تتم الاستجابة للمشكلة.
واعتبر التقرير، أنّه لا توجد دولة تستثمر ما يكفي لمعالجة المشكلة، وأن مشكلات الصحة النفسية أكثر الأمراض الصحية التي يتم تجاهلها عالمياً، وأنها أزمة متنامية يمكن أن تسبب ضرراً مستديماً للأفراد والمجتمعات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وتأتي تكلفة هذا الأزمة المتنامية في العالم بشكلٍ مباشر مثل الرعاية الصحية والأدوية أو علاجات أخرى، وغير مباشر في شكل فقدان الإنتاجية والإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتعليم والقانون والنظام، وبحسب الدراسات فإنّ كل دولار يُنفق على العلاج النفسي، يوفر 4 دولارات قد تنفق بسبب أمراض عضوية ناتجة أو مصاحبة للمرض النفسي.